الناشر الحبيب اللمسي.(أرشيف)
الناشر الحبيب اللمسي.(أرشيف)
الثلاثاء 23 مايو 2017 / 20:21

الحبيب اللمسي غياب الناشر والمنشور

إذا مات الناشر فإن الدار يمكن لها أن تحيا كما يحيا الابن إذا ماتت أمه بعد ولادته، هذا هو القانون، ولكنه لا ينطبق على حال دار الغرب الإسلامي والحبيب اللمسي

1-
ماذا يعني موت ناشر عند العرب؟

لم يألف العرب أن يحزنوا لرحيل الناشرين، شباناً كانوا أم شيوخاً، فدموع القرّاء مخصصة ومحجوزة لأصحاب القلم من أهل الفكر والإبداع، والحزن يذهب إلى أرواح الكتاب إذا كان هناك حزن أصلاً.

ثم إن صورة الناشر العربي ارتبطت عند القارئ العادي بملامح التاجر الذي يرفع سعر الكتاب، ولا يراعي مستوى المعاش لدى عموم القرّاء، أما عند مصنفي الكتب من باحثين وأدباء وشعراء، فصورة الناشر قريبة من "الناشل" الذي جمع كل ثروته من جهودهم بعد أن احترقوا مثل الشموع لينيروا جماهير القرّاء.
  
وما يزيد التباس العلاقات بين هذا الثلاثي (الكاتب والناشر والقارئ) هو ضعف علاقة المجتمع العربي بالكتاب ونقص شهيته للقراءة، وفقدان المؤسسات الحقوقية الخاصة بالتأليف، والمدافعة للتصنيف، وانعدام الوضوح في عقد الكاتب مع الناشر.

لهذا لم يكن رحيل الناشرين يعني شيئاً لدى العرب، وهكذا كان رحيل ناشر كبير هو الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الإسلامي ببيروت، خبراً عادياً، وخفيّاً، وبلا دموع.

2-
لم تكن صورة الحبيب اللمسي، مطابقة تماماً لصورة الناشر الذي يرى في الكتاب مجرد بضاعة مثل سائر البضائع التي يتطلبها السوق، كما لم يكن جاهلاً به كحاجة ثقافية في سوق الكتاب العربي.

لقد أسس دار الغرب الإسلامي سنة 1979، وتطابق اسم الدار مع منشوراتها حتى جاءت لتسد شغوراً معيّناً في سوق الكتاب العربي الذي كان منحازاً إلى كتاب وشعراء المشرق ومعرضاً عن كتاب وشعراء المغرب، دون نوايا إقصاء ثقافي، ولكنه وضع تاريخي قديم وهو ناتج عن مجرد جهل وكسل، ولم يكن تجاهلاً.

ولكن دار الغرب الإسلامي كانت فكرة صاحبها اللمسي من أجل الإجابة عن سؤال قديم هو: ماذا أضاف أهل المغرب والأندلس إلى الحضارة العربية التي قامت، في جلها على إسهامات أهل المشرق، وظهر المغرب أو الجهة المغربية في موقع الجمهور الاستهلاكي، وكأنها لم تكن تفعل شيئاً آخر غير الفرجة والاستقبال والقراءة دون رد فعل أو فعل عطاء ونقد وإبداع .

وخلال أقل من أربعة عقود، أجابت دار الغرب الإسلامي عن سؤال الإضافة لدى أهل المغرب في التصنيفات المتعلقة بالدراسات والفقه والأدب والتاريخ والتراجم، والموسوعات، ولم تعتنِ هذه الدار بالإبداع الجديد، ولم تنشر غير المؤلفات التي رأى صاحبها أهمية نشرها أو ترجمتها ومدى خدمتها للفكرة الأولى: ماذا قدم أهل المغرب للثقافة العربية الإسلامية ؟

3-
أعطى الحبيب اللمسي صورة مغايرة للناشر، فلم يكن مهتماً بتأسيس بناية فخمة أو إنشاء إدارة وموظفين، بل كانت الدار الكبرى عبارة عن هاتف وفاكس، ورأسماله كله هو ثقته المتبادلة مع الناشرين والعارفين بالكتاب تأليفاً وتحقيقاً وترجمة وتاريخاً وجمعاً بنفائس المخطوطات ورقاً وطباعة وتسفيراً وتجليداً وتسويقاً ومتابعة في التوزيع ومعرفة بمناطق البيع، واستخلاص المباع والتعرف على المرتجعات من النسخ ، فضلاً عن خبرته الواسعة بالمزودين وتفقهه في أنظمة معرض الكتب في كل البلاد العربية .

4-
أعطى الحبيب اللمسي عمره للكتاب ونسي أو تناسى، أو لم يكن له الوقت الكافي لكي يتزوّج غير الكتاب، ولم يتسنّ له أن يعطي عمره للآخرين الذين سوف يكملون رسالة الناشر الطموح إلى ورثاء أو شركاء وهو ما فعله كثير من الناشرين العرب والغربيين، ويمكن في هذا الصدد أن نذكر ( على سبيل الذكر لا الحصر ) ناشراً عربياً كبيراً ألمعيّاً هو المترجم والروائي والناشر وصاحب دار الآداب ومجلتها سهيل إدريس .

وارغب في ختام الحديث عن الناشرين أن أذكر من الناشرين الأوروبيين غاستون غاليمار Gaston Gallimard الذي أسس دار غاليمار منذ اكثر من قرن وتوارثها الأبناء والبنات والأحفاد والأسباط، وما زالت هذه الدار علماً يرفرف، لا في سماء الكتاب الفرنسي وحسب، بل وفي سماء الاقتصاد الفرنسي.

5-
إن ما قام به الناشر الحبيب اللمسي (1930-2017 ) هو جهد جهيد، ولم يكن من الممكن أن تنهض به وزارات الثقافة العربية في الحكومات المغاربية المجتمعة، ولأن الحياة تكره الفراغ، فقد قام اللمسي بالتخطيط لهذا المشروع وسدّ الشعور الحاصل في هذا القطاع.

6-
ولم يكن هذا الناشر معنياً بفنون الإبداع الأدبي المغاربي مثل الرواية، والمسرحية، والبحوث الحديثة، وأما عنايته بالشعر فهي قليلة ومقتصرة على التحقيق للدواوين المغاربية القديمة وحسب.

7-
إذا مات الناشر فإن الدار يمكن لها أن تحيا كما يحيا الابن إذا ماتت أمه بعد ولادته، هذا هو القانون، ولكنه لا ينطبق على حال دار الغرب الإسلامي والحبيب اللمسي، فقد كانا الوالدةَ والولدَ معاً. فلا أحد قادر على الحياة دون الاخر!

8-
لقد مات الناشر وماتت الدار، بل إن هذا الرجل رأى موته قبل أن يغادر هذا العالم، وذلك حين تقدم به العمر، تقدم بطلب لاستقبال مكتبته الخاصة الكبيرة الضخمة التي جمع فيها كتباً ومخطوطات ومجلات ونفائس المخطوطات التي أنفق عليها الكثير، وكانت النتيجة أن المكتبة الوطنية التونسية لم تكن قادرة في زمن الربيع العربي والثورة، والياسمين أن تقرأ المخطوطات او تحتفظ بالكتب.