الجمعة 2 يونيو 2017 / 20:50

"دهاليز الظلام" بين حجم الخيانة ويد الإمارات الحانية

تابعت الفيلم الوثائقي "دهاليز الظلام" بأجزائه الأربعة على فضائية أبو ظبي ولم أتمالك أن أسطر ما خالجني من أفكار أثناء متابعة الوثائقي. ولن أتحدث هنا بصفتي مؤلف كتاب "حكاية التدين السعودي" الذي تناول الحكاية الإخوانية منذ بدايتها في المملكة وتأثيرها في حياة السعوديين، بل أتحدث الآن بصفتي منتمٍ سابق لجماعة الإخوان، لأقول وبكل ثقة وتأكيد: إن "دهاليز الظلام" لم يفترِ على منظومة الإخوان المسلمين ولم يبالغ أبداً في سرده لأنشطتهم وسلوكهم وأساليبهم وأفكارهم، ولم يتجاوز الحقائق التي لامستها بنفسي وشاهدتها بعيني حين كنت معهم في بداية شبابي؛ لأرى بعيني من خلال ذلك الفيلم شريط ذكرياتي الخاصة تدور أمامي كما هي دون نقصان!

وأكثر ما صدمني هو ما صدم معظم الإماراتيين حين عُرضت في الجزء الرابع تسجيلات موثقة عن تخطيط صريح ووقح لتقويض أسس الاستقرار في الإمارات، لأربط سريعاً بين كل ما قرأته في أدبيات الإخوان وبين تلك التسجيلات الكاشفة، لتتضح بعد كل ذلك بشاعة الجرم الذي لا يعادله أي جرم، فأي جُرم يمكن أن يكون أكبر من اغتيال الوطن؟ وأي وطن؟ وطنٌ كالإمارات؟ يحلم كل عربي وأعجمي بأن يحظى بفرصة للعمل والعيش على أراضيها، أو السياحة بين معالمها الحضارية.

ومع اقتراب الحلقة الأخيرة والموجعة من الفيلم الوثائقي على الانتهاء، وحين كان الحديث عن المحاكمات، وبعد كل تلك الدراما المؤسفة لفصول الخيانة والغدر، كانت مفاجأتي أكبر حين سمعت تلاوة الأحكام!

إن من يتابع الحكاية منذ بدايتها ثم يرى فداحة الجرم المشهود والنوايا المبيتة، ثم يرى حجم تلك العقوبة التي لم تتجاوز الخمسة عشر عاماً غيابيا لثمانية متهمين خارج البلاد، وعشرة أعوام فقط لعشرات ممن ثبتت عليهم التهمة، وسبعة أعوام فقط لمتهمين آخرين، وتبرئة عدد كبير من المتهمين، من ير كل ذلك، يدرك حقاً بأن الإمارات دولة قانون، وأن هذه إحدى النعم التي تميزها وسط هذا العالم الثالث الذي يمكن أن تكون فيه مثل هذه التهمة عقوبتها الموت. لكنها أمومة الإمارات تجاه أبنائها، حتى العاقين منهم. الأمومة الحانية والقانون المبهر الذي يشكل عصب الاستقرار لأي منظومة تنموية تتوثب نحو التحول الحضاري المنافس.

لا يفوتني أن أشيد بالإعداد الإبداعي والرصين لمادة الفيلم، وهنا أشكر كثيرا الدكتور علي بن تميم مدير عام أبو ظبي للإعلام والمشرف العام على إعداد الوثائقي، حيث كان تحري المهنية والمصداقية عالياً جداً، وهذه نقطة تحسب للإعلام الإماراتي الذي صنع له أيقونة مميزة على جغرافية الميديا العربية، وهنا بالذات لن يفوتني بالطبع توجيه الشكر الخالص والإعجاب بمعالي الدكتورة نورة الكعبي رئيس شركة أبوظبي للإعلام حيث الصناعة الملحوظة للفارق الإعلامي شكلاً ومضموناً ومحتوى.
  
حفظ الله الإمارات قيادةً وشعباً وأرضاً، وحفظ لنا كل أوطاننا، وردّ العاقين من أبنائنا لأحضان مجتمعاتهم وأوطانهم، وصرف عنهم كيد المتربصين وخفافيش الظلام وأعداء الإنسان والحياة والأرض، أعداء الفرح والخير والجمال.