وزير الخارجية القطري ونظيره الألماني (أرشيف)
وزير الخارجية القطري ونظيره الألماني (أرشيف)
الأربعاء 5 يوليو 2017 / 20:41

قطر: نبوءة الأمير "المطعون" وسُمعة فاسدة بمال قارون

مع نهاية المهلة التي منحتها دول المقاطعة لقطر، تلبيةً لطلب الوسيط الخليجي أمير الكويت، في محاولة لوضع حد للأزمة المستفحلة من شهر كامل، بين السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، "تكرم" وزير الخارجية القطرية الشاب محمد بن عبد الرحمان آل ثاني، مجدداً على الرأي العام الخليجي، بإضافة " نكتة " السمعة القطرية إلى قائمة طويلة من النكات التي أتحف بها الإعلام الدولي والعربي، منذ 5 يونيو (حزيران) تاريخ اندلاع الأزمة.

وبمناسبة المؤتمر الصحافي الذي عقده الوزير القطري مع نظيره الألماني في الدوحة بعد الزيارة التي أداها المسؤول الألماني إلى الخليج في محاولة للعب دور ما في الأزمة الملتهبة بين قطر ودول المقاطعة، طالب الوزير القطري بالتوقف عن "تشويه سمعة قطر"، رافضاً الاتهامات بدعم الإرهاب، مُندداً بالمساس بالسيادة القطرية، وبتهمة طعن دول الخليج والمنطقة العربية في الظهر، ما سلط من جديد كل الضوء على المأساة الشخصية التي يعيشها الوزير القطري، الذي يُشرف على دبلوماسية الدوحة بكثير من الارتجال، وقليل من الحكمة، وبُعد النظر، وهو الشاب الحاصل على "البكالوريوس في الاقتصاد وإدارة الأعمال من كلية الإدارة والإقتصاد بجامعة قطر" في 2003، حسب ما جاء في سيرته الذاتية المنشورة من قبل الإعلام القطري.

ورغم أن دراسة الرجل وتكوينه الدراسي البعيد عن الدبلوماسية وعالمها الخاص، بطقوسها، وقواميسها ونواميسها، فإن ذلك لا يمنع أو يحول دونه والمنصب الحساس شرط التحلى الرجل بالشروط الدنيا التي تؤهله لذلك، بما أنه المنصب الذي يرتبط بوجود بلاده نفسها، وشهرتها وسمعتها  بين الدول، كما قال في مؤتمره الصحافي.

وكان المؤتمر الأخير فرصةً لكشف الوهم الخطير الذي يُسيطر على عقل الطبقة السياسية الحاكمة في قطر، وخطاب الاستبلاه والاستغباء الذي تعتمده منذ الانقلاب التلفزيوني، لمواطنيها أولاً وللعالم ثانياً، باتهام الغير بالتجني، والتشويه.

ويبدو أن الوزير خريج إدارة الأعمال والصفقات، وجد نفسه دون إعداد على رأس وزارة خارجية قامت عقيدتها الأولى على دبلوماسية الشيكات الشهيرة، منذ تولي عراب السياسة الخارجية القطرية الشهير ورئيس الحكومة السابق المعروف في أوساط الأعمال والإعلام بكنية "إتش بي جي" أو حمد بن جاسم، ليستمر بذلك مع سلفه في تأكيد نبوءة الأمير المخلوع السابق الشيخ خليفة بن حمد، عن خوفه وهاجسه الأول، على أبنائه من الفساد.

وفي هذا السياق يُروى عن الشيخ خليفة بن حمد، أنه كان يرفض الإنفاق على شعبه بإسراف، رغم العائدات الضخمة من النفط، حتى اتهمه القطريون بالبخل والتقتير عليهم، خاصةً بعد التطور السريع الذي تحقق في الدول المجاورة، مثل الإمارات، والبحرين، والسعودية طبعاً، في الوقت الذي بقيت فيه قطر صحراء قاحلة تقريباً، يُعاني سكانها الأمرين، ويُكابدون شظف العيش، والظروف القاسية.

وعندما سُئل الشيخ خليفة عن سر إصراره على موقفه، كان رده الذي نقله كتاب "قطر: أسرار الخزينة " الذي كشف صادمة عن قطر من الداخل منذ صدوره قبل ثلاث أو أربع سنوات في فرنسا، أنه يرفض ذلك :" خوفاً على أبنائي من المال وإغوائه، خوف من أن يتسبب المال الكثير في فساد أخلاقهم، وسوء تربيتهم، أريد لهم أن تظل أقدامهم ثابتة في رمال الصحراء الحارقة، فلا يدفع بهم الغرور إلى الهاوية".

وبالنظر إلى كلام الشيخ "المطعون"، بيد ابنه، يكتسب الخطاب بُعداً جديداً اليوم بما يجعله أقرب إلى النبوءة التي تحققت منه إلى كلام الشيخ المقتر البخيل، وبالنظر إلى ما أنقفت قطر من أموال لا تقل عن ثروة قارون نفسه، على سياستها الخارجية منذ 1995، يُمكن القول إنه الأمير الذي صنع قطر الحديثة بإلغائه معاهدة الحماية البريطانية، حتى قبل وصوله إلى الحكم في 1972، وواضع الدستور، وأول وزارة، وفي كلمة أول من وضع قطر على طريق الدولة الحديثة، بعد ظهور النفط والغاز خاصةً في عهده، والذي تميز ببعد النظر والسياسة المعتدلة داخلياً وخارجياً، نجح أيضاً في التكهن بالمستقبل بعد الانقلاب عليه.

وبمناسبة السمعة، ورغم محاولات قطر المستميتة لتأكيد العكس، فإن سمعة الدوحة لا تحتاج إلى من يُشوهها، بسبب سياستها الخارجية منذ الانقلاب، التي جعلتها الدولة العربية المارقة بامتياز، ويكفي النظر هنا إلى عدد المقالات التي خصصها الإعلامي على امتداد سنوات طويلة لها، ولسياستها الخارجية، وللكتب الكثيرة التي نشرت غسيل الدوحة القذر على مرأى ومسمع العالم بأسره، قبل الأزمة الحالية بسنوات طويلة، للتأكد من طبيعة السمعة الخارجية لدولة وزير الخارجية القطري.

ورغم المحاولات اليائسة، يُمكن القول إن الدبلوماسية الدوحة خسرت معركة الصورة والإعلام، بدايتها وحتى قبل اندلاع الأزمة الخليجية، وذلك منذ وقت طويل، إذ اقترنت صورتها خاصةً منذ 2011، برعاية للخراب العربي، ودعم الإسلام السياسي المتطرف، وكل ما نجحت فيه من شهرة وسمعة يتمحور في علامات فارقة عدة أبرزها، الجزيرة وشبكتها التي لا يأتي الحديث عليها في الإعلام الدولي منذ ظهورها إلا بعد ربطها بصفة "القناة المثيرة للجدل والذراع الإعلامية القوية للحكومة القطرية"، وبالإرهاب في "دول الربيع العربي، وفي سوريا أساساً" وأخيراً  بـ"رشوة الاتحاد الدولي لكرة القدم لشراء حق تنظيم كأس العالم 2022"، إلى جانب فضيحة العمالة المستعبدة.

ومن المفارقات العجيبة التي لا يمكن التغاضي عنها، أنه في الوقت الذي كان الوزير يُهاجم العالم والجوار، مطالباً بوقف "تشويه سمعة" كانت نائبة رئيس البرلمان الألماني، صاحب القرار والسلطة الفعلية في بلاد وزير الخارجية الواقف إلى جانب الوزير الشاب في الدوحة الثلاثاء، تُطالب في كلمة علنية الاتحاد الدولي لكرة القدم: " بحرمان قطر من تنظيم كأس العالم، بسبب الفساد الذي رافق التصويت، وقرار الموافقة على تنظيمها البطولة".

ولم يكن لنائبة البرلمان الألماني أن تُطالب بنقل البطولة من قطر، لو لم تكن "السمعة القطرية" التي يُطالب الوزير بالتوقف عن المساس بها، أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتها للإدلاء بمثل هذه الأقوال.

ولا يقتصر الأمر على ألمانيا أو دول أوروبا الأخرى، ففي فرنسا مثلاً، لا يُضيع جمهور الكرة فرصةً للتنديد بقطر في المباريات التي يلعبها فريق العاصمة الفرنسية باريس المملوك لقطر، برفع اللافتات التي تُندد بالفريق الباريسي الإرهابي، وتمويل قطر للإرهاب في مختلف دول العالم، في رسائل قارة مُعبرة لا تنقلها قنوات الجزيرة.

إن هذه النماذج العديدة تكشف حقيقة السمعة القطرية في العالم، وتسحب من يد الوزير محاولة للمناورة الدبلوماسية، ليضطر في كل مناسبة للتذكير بما أنفقته الدوحة على "مكافحة الإرهاب، والصناديق الدولية التي تمولها قطر لخدمة المهجرين، واللاجئين، ومنع تمويل الإرهاب" عبر شيكات ضخمة صرفتها لفائدة هذه المنظمات، بما يُذكر من جديد بدبلوماسية الشيكات التي تعتقد أن لكل شيء ثمن، بما في ذلك السمعة، بعد ضمائر الناس ومواقفهم.

وعندما ترفض قطر قائمة الإرهاب الخليجية مثلاً، فإنها تفضح قلة حيلتها وضيق أفق صانع القرار والدبلوماسي فيها، فالذي يرفض القائمة باعتبارها " محاولة للمساس بالسيادة القطرية"، رغم أنها تضم عشرات الأسماء المدرجة على قوائم العقوبات الدولية التابعة للأمم المتحدة مثلاً، أو لوزارة الخزانة الأمريكية، فإن الوزير الهمام لا يُزمجر في وجه واشنطن، أو نيويورك، ولكنه في المقابل يرفض  القائمة رغم أنه كان قادراً مثل أي دبلوماسي يحترم مهمته ومقتضياتها، مناقشتها والتفاوض على تفاصيلها سعياً للحل قبل رفضها.

ولكن حمية الوزير وغيرته على السمعة، تتوقف على القائمة الخليجية وحدها، ذلك أن أغلبية المدرجين عليها من القطريين خاصةً، والأجانب، تتضمنهم أيضاً قائمات دولية كثيرة، وممنوعون من دخول عدد من الدول الأخرى، مثل يوسف القرضاوي شخصياً الممنوع من دخول فرنسا مثلاً منذ 2012 وحتى اليوم، مع عشرات الأسماء الأخرى المقيمة في الدوحة أو التي تتردد عليها، مثل صفوت حجازي، و محمود المصري وغيرهما من "دعاة الحقد والإرهاب" كما جاء في قرار وزير الداخلية الفرنسي يومها كلود غيان الصادر في مارس (أذار) 2012، ولم يتجرأ أي وزير بعده على مراجعته أو إلغائه. 

ويكشف الأمر على الأقل كيف خسرت قطر معركتها حتى قبل بدايتها، وستخسر حتماً أكثر، بعد نهايتها، في ظل النتائج والانعكاسات التي ستتولد عن الواقع الجديد الذي سيتولد عن القطيعة النهائية بين دول المقاطعة والدوحة، اقتصادياً، وسياسياً، واستراتيجياً أيضاً، ما يفرض على قطر ضخ عشرات المليارات الإضافية لمحاولة تعديل صورتها المتدهورة لدى الرأي العام الدولي، بعد الأموال الضخمة التي بذرتها في معارك مُفتعلة وخاسرة، أموال كان يُمكنها أن تغطي هذا البلد من أقصاه إلى أدناه بالسجاد الفاخر والطنافس الثمينة، بفضل المداخل الضخمة التي حصلت عليها منذ وصول الأمير الأب إلى السلطة، والتي تقدرها بعض المصادر المستقلة بحوالي 125 مليار دولار، لا أن يُعاني البلد الذي عدد سكانه 2.5 مليون ساكن، عجزاً متنامياً في الميزانية، ويشتكي فيه مواطنوه بأعداد متزايدة من غلاء المعيشة، وتدهور قدرتهم الشرائية، والحال أن عددهم لا يتجاوز ربع مليون.