زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.(أرشيف)
زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.(أرشيف)
الثلاثاء 15 أغسطس 2017 / 19:53

ربطة عنق الغنوشي في تونس

اللافت الذي ركز عليه بعض وسائل الإعلام هو المظهر الجديد للرجل، وكان على راشد أن يعتني باللباس هذه المرة، فيفاجئ الجميع بربطة عنق في لون الحمامة الزرقاء في شعار حزب حركة النهضة

1-
تسعى حركة النهضة الإخوانية في تونس بقيادة راشد الغنوشي إلى بثّ رسائل ملتبسة المقصد من خلال تحركات زعيمها التاريخي الذي دوّخ كل متابعيه، من خلال ألْعُبانيّاته المتنوعة، فهو في نظر المساند لفكره، والمصفقين، شخص يتطور، ويتغير، ويتفاعل، ويتبدل، وفي نظر الذين خبروا الإخوان، شخص يسعى للتأقلم، وَالتمَسْكُن من خلال التمسك بمنهج ذرائعي يوحي بأنّه يتغير باستمرار، ويسعى إلى الاندماج في المجتمع السياسي بشكل منظم، ومدروس، وبإيمان يصل الى حدود التقديس بالصندوق الانتخابي.

إنٌ قسطاً لا باس به من الطبقة السياسية الحالية في تونس يسعى إلى فضح ما هو مفضوح في فكر الإخوان المسلمين، والنهضة فرع منهم، وهي مثلهم لا تؤمن بالديمقراطية (ولا بالشورى كتسمية سلفية للديموقراطية فما هي غير سلم له مهمة واحدة هي الصعود إلى السلطة ) .

هذا معروف عن الإخوان، ولا بد من التذكير بهذا الأمر باستمرار .

2-
وفي المناخ السياسي التونسي الآن المتسم بالقبول بمبدأ التوافق الذي يطرحه كل من راشد الغنوشي، والرئيس التسعيني الباجي قايد السبسي في الصورة الإعلامية والواقع السياسي معاً، بدت المواقف أنّ الشيخيْن يتحركان بالتنسيق، وهذا أثار انتقادات مهموسة في قواعد الإخوان، وانتقادات ملموسة في القاعدة العريضة التي انتخبت الباجي رئيساً بهدف الانتصار على برنامج النهضة.

ومن فرط التوافق بدا راشد الغنوشي متحركاً في العلن، ويغمره إحساس بأنّه بات يتدرب الآن على السلطة الفعلية في القصر الرئاسي، وله أن يجرب نفسه خلال هذه الأشهر الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية التونسية القادمة سنة 2019 .

وله أن يبدو رئيساً لائكياً بعد أن كان ملائكيّاً بلا ربطة عنق.

3-
من تجليات التطور المظهري لدى راشد الغنوشي هو شكل ظهوره الأخير في حفل السفارة المغربية بتونس، وفي حوار أجرته قناة نسمة التونسية، واللافت الذي ركز عليه بعض وسائل الإعلام هو المظهر الجديد للرجل، وكان على راشد أن يعتني باللباس هذه المرة، فيفاجئ الجميع بربطة عنق في لون الحمامة الزرقاء في شعار حزب حركة النهضة، ربطة العنق فاجأت حتى ذلك الرئيس المرزوقي الذي غرسَهُ الغنوشي في قصر قرطاج، وكنسَه الباجي قايد السبسي بصندوق الاقتراع. ويشار إلى أن المرزوقي سُئل: لماذا لا تلبس ربطة عنق، فقال متملقاً للنهضة: لن أرتدي ربطة العنق إلا بعد أن يلبسها الغنوشي.

غير أن ربطة العنق اكتست تأويلات وإشارات تتجاوز الربطة الإفرنجية، أو لنقل العلمانية، إلى ما هو أبعد : الربطة الرئاسية التي تشبه ربطة الرئيس الباجي قايد السبسي.
  
4-
كان فحوى حوار الغنوشي هو الإلحاح الدائم على نجاح التجربة الثورية التونسية، وكان ّيتساءل باندهاش: كيف أن هذه التجربة هي مصدر فخر بالخارج، ولكن في الوقت نفسه هي مصدر انزعاج من الداخل، ودعا التونسيين إلى التفاؤل !
وينسى الغنوشي أن التونسيين يعرفون تونس أكثر منه، وقد عاش ربع قرن في المنفى الانجليزي السعيد .

5-
الأمر الآخر الذي ألحّ عليه الغنوشي أنه لم يعد يحكي عن مصطلح أثير لديه، وعزيز على وعيه هو : مبدأ التدافع في السلطة، والغلبة للأقوى، ورأى أن في هذا المصطلح ما يشي بالعنف، واختار أن يرتاح في مصطلح جديد وعزيز على قلبه هو مبدأ التوافق ثم التوافق.

6-
غير أن ابرز ما جاء في حوار الغنوشي هو أنه دعا رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى الاهتمام بحكومته إذا أراد البقاء فيها، وتحدث بما أوحى أنه يوصي بتنحية رئيس الوزراء او ينصحه وَ بالتنحي إذا فكر في الترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة .
وهو ما اعتبر نوعًا من إرباك حكومة تتلمّس خطاها في محيط سياسي ملتبس بـالمحاصصة الحزبية سيئة النتائج، وفي عجز اقتصادي بادٍ للعيان المجردة.

7-
إن ما بات يرمز إليه رئيس الحكومة يوسف الشاهد منذ صعوده هو رغبته في محاربة الفساد، ومسّ بعض بارونات الفساد، ولكن هذا التوجّه لم يرق لأطراف كثيرة وأبرزها حركة النهضة التي تتوفر في كثير من عناصرها القيادية شبهة فساد تمثلت في الثراء الفاحش المفاجئ الذي ظهرت أعراضه على فقراء النهضة الذين تحولوا الى أثرياء جدد تفوقوا في تحصيل الثروة على أصهار الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

واذا كان لا بد من سؤال بديهي فهو : إذا كانت النهضة ( الأيادي النظيفة، كما روجوا لها ) لا تريد فتح ملفات الفساد، ولا تتحمس للشفافية المالية، فلماذا تم ترحيل بن علي بتهمة أابرزها الفساد، ومن ثمّ، ما علاقة هؤلاء بالدين ونظافة اليد ؟.

9-
كان راشد الغنوشي في حواره التلفزيوني يحكي بنفس توافقي، و ينسى أنه في السلطة من خلال الوزارات، و في البرلمان، وفي عديد الإدارات الحكومية الحساسة، ومن خلال تحركات حرة وغير شبحية لراشد الغنوشي وتتصرف في ما تبقى من خيرات البلاد.
اللافت للنظر أن هذا الحوار جاء في زمن بدأت فيه الحرائق غير الطبيعية تلتهم مناطق كثيرة من غابات الشمال الغربي التونسي، وقد عُدّت الحرائق جريمة بفعل فاعل، وفي الرأي العام الشعبي ترجيحات بأن النهضة تملك أصابع النار في هذه الحرائق .

10-
في هذا الصيف الحارق من 2017 ...تفاعل الرأي العام التونسي ما استطاع في صيف خانق، بل وعاش مع الحرائق.
في هذا الوقت، كان مجلس الشورى في حركة النهضة يجتمع في الفنادق الساحلية المكيفة ليناقش الحكمة التي جعلت الشيخ راشد الغنوشي يأمر أو يحذر أو ينبه رئيس الحكومة الشاب يوسف الشاهد بأن يبتعد عن الحكومة إذا كان ينوي الترشح للرئاسة  
ومعنى هذا أن راشد الغنوشي لا يرى مانعاً في أن تدخل تونس في وقت ضائع جديد للبحث عن رئيس وزراء جديد ، وانتقاء وزراء جدد .

11-
حين يُسْأَلُ القياديون في حركة النهضة عن رغبة الغنوشي في الترشح باسم النهضة للرئاسة فان الجواب يكاد يكون واحداً: هو لم يعلمنا بهذا. أو هذا رأيه، هو يناقش، ثم يعقب آخر: وهذا وارد، و ترشح الشيخ للرئاسة من حقه إلخ ..

ومع مبدإ لكل حادث حديث، فإن قرارات النهضة "الديموقراطية"، لا يحددها إلا مجلس الشورى، وهو مجلس صوري لم يصمد فيها غير المصفقين لقرارات الشيخ راشد ، وقراراته لا تسكن في النقاش، بل هي بين حنجرة الغنوشي المغطاة بربطة العنق الزرقاء، وصولاً الى رأسه المغطى أحيانا بالطربوش التونسي الأحمر.

رسائل كثيرة أرسلها راشد الغنوشي، وقد غلبت عليها رغبة راشد في أن يقول بربطة العنق الزرقاء في الصيف ما هو أبعد من عنقة، ولا عنق لديه إلا ليعانق حلماً قديماً مزمناً بالرئاسة، قد لا يستفيق منه إلا بضربة صندوق.