(أ ف ب)
(أ ف ب)
الأربعاء 20 سبتمبر 2017 / 15:56

خطاب ترامب في الأمم المتحدة يعيد تحديد الدور الأمريكي في العالم

اعتمد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه الأول أمام الأمم المتحدة الثلاثاء لهجة متشددة جداً، لكنه أظهر في نفس الوقت مؤشرات على عقيدة يريد ترسيخها ويمكن أن تغير مكانة الولايات المتحدة في العالم.

ووصف أحد المراقبين خطابه "بعاصفة تغريدات استمرت 42 دقيقة" ووصفها آخر "بخطاب محور الشر للرئيس جورج دبليو بوش مع منشطات".

ولكن في معظم جوانبه، فإن الخطاب الأول لترامب أمام الجدار الرخامي الأخضر كان كل ما يمكن توقعه من رجل الأعمال السابق المشاكس والخارج عن القواعد.

قطعاً لم يكن أحد ليتوقع ذلك من الرؤساء الـ44 السابقين للولايات المتحدة، واعتبر ذلك أسلوباً جديداً في القيادة الأمريكية على الساحة الدولية.

وتصريحات ترامب وخصوصاً تلك التي وصف فيها الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بـ"رجل الصواريخ في مهمة انتحارية" تلقفها مؤيدوه في الداخل، لكنها تركت ذهولاً لدى الحلفاء في العالم إزاء التغير الذي تشهده أكبر قوة في العالم.

وبعيداً عن لهجة التهديد، طالب ترامب بتغيير في الجوهر، موضحاً أنه يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وترك التطور الأخير للقواعد والمؤسسات الدولية في نصف القرن الماضي والعودة لأولوية الدولة القومية.

واستخدم ترامب في خطابه كلمة "سيادة" أو "سيادية" 21 مرة، وهي لهجة تستخدمها في هذا العصر الصين للرد على انتقادات لإجراءاتها القمعية في الداخل أو من قبل روسيا للاستخفاف بالتدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية.

إرادة الشعب
ويقول معاونو ترامب إن دعوته لدولة قومية قوية ليس رفضاً للتعددية بحد ذاته، بل بالأحرى رفضاً لعولمة تضعف إرادة الشعب.

وترك ذلك شعوراً جديداً لدى الحلفاء بأن "أمريكا أولاً" ستعني أمريكا وحدها، وقال ترامب "في أمريكا لا نسعى لفرض أسلوب حياتنا على أحد، بل لجعله يشع كقدوة يراها الجميع".

ووصف كبار مستشاري ترامب الخطاب بأنه يتسم بطابع "فلسفي عميق" يطلق إطاراً فكرياً لنظرة الرئيس للعالم.

وبالنسبة للبيت الأبيض فإن الفكرة مفيدة لتحقيق توازن أمام المنتقدين الذين يقولون إن ترامب لا يتمتع بثقل فكري، ولإرساء انطلاقة لبناء ارث ايديولوجي يمكن أن يستمر إلى ما بعد رئاسة واحدة.

لكن ذلك يعكس أيضاً التأثير المستمر للأفكار القومية داخل إدارة ترامب، حتى بعد رحيل مساعده المثير للجدل ستيف بانون.

ويظهر الخطاب أيضاً التأثير المستمر لمستشارين مثل ستيفن ميلر الذي لعب دوراً كبيراً في صياغة الخطاب، ويبدو أنه يسير على خطى بن رودس مساعد الرئيس السابق باراك أوباما والكاتب البارع لخطاباته القوية.

لكن مؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن، غير الميالة لامتداح ترامب، أشارت إلى العديد من التناقضات التي تضع علامة استفهام على تأسيس أي "عقيدة" متماسكة لترامب.

وفيما يصر على أن أمريكا لم تعد تبني الديمقراطيات، دعا ترامب لإحلال الديمقراطية في إيران وفنزويلا.

دون خطة
هاجم ترامب الاتفاق الذي يضع قيوداً على برنامج إيران النووي، لكن البيت الأبيض لم يعرض أي بديل واضح ممكن أكثر من تمديد فترته.

ويقر المسؤولون الأمريكيون في جلسات خاصة بأن أي خيار عسكري ضد كوريا الشمالية سيكون كارثياً على الأرجح للحلفاء في كوريا الجنوبية الواقعة ضمن نطاق مدفعية بيونغ يانغ المحملة بالأسلحة الكيماوية.

وفوق كل شيء يتساءل منتقدو ترامب ما إذا بالإمكان إعادة عقارب الساعة إلى فلسفات هيمنت على عالم أقل عولمة مطلع القرن العشرين.

ويقول باري بافل من "اتلانتيك كاونسيل" والمخضرم في تخطيط السياسات في الادارات الجمهورية والديمقراطية أن "السيادة في حقبتنا هذه تتطلب بشكل أساسي تعاوناً وثيقاً مع دول أخرى ومؤسسات عالمية قوية وهو ما يرفضه ترامب".

وهذا التفكير لا يزال يتردد لدى العديد من الدبلوماسيين والضباط وعناصر الاستخبارات الذين يواصلون العمل كالمعتاد، رغم النزلاء الجدد في البيت الأبيض.

وحتى أقرب الشخصيات إلى ترامب من وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى نائب الرئيس مايك بنس، عمدت إلى التخفيف من حدة خطابه لكن بدون الذهاب إلى حد التناقض معه.

لغاية الآن لا تتوافق أعمال ترامب مع أقواله، إذ انسحب من اتفاق التجارة بين دول الهادئ، لكن رغم الانتقادات لم يدخل قراره الانسحاب من اتفاقية باريس حول المناخ حيز التنفيذ، كما لم يقم بعد بإلغاء الاتفاق النووي الموقع مع إيران.

وقد يتغير هذا في الأشهر المقبلة، عندما يقوم فريق ترامب بترجمة خطابات كتلك في الأمم المتحدة أو وارسو والرياض، إلى استراتيجية رسمية للأمن القومي.