الثلاثاء 8 أكتوبر 2013 / 20:48

أكتوبرنا.. وأكتوبرهم

لم يفسد أحد على المصريين فرحتهم بنصرهم التاريخي على إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، على مدار أربعة عقود، مثلما فعل الإسلاميون، حتى تحول اليوم الذي استرد فيه المصريون أرضهم وكرامتهم إلى ذكرى سيئة لدى الكثيرين منهم.

بعد الحرب بثلاثة عشر عاماً، قرر الإسلاميون أن يقتلوا قائد ذلك النصر التاريخي الرئيس الأسبق أنور السادات، وسط جنوده، ويوم عيده واحتفاله، وهكذا تقدم خالد الإسلامبولي ليرديه برصاصة، ويحول يوم النصر إلى اليوم الذي اغتيل فيه قائد معركة الكرامة.

في ذلك اليوم من عام 1981، والذي كان يوافق أيضاً عيد الأضحى، تقدم قادة الجماعة الإسلامية في مدينة أسيوط الجنوبية ليحتلوا مديرية الأمن، ويقتلوا جنودها وضباطها ظناً منهم أنهم يدبرون انقلاباً على السادات ويعلنون دولة الخلافة الإسلامية، لكن الأمر فشل بالطبع ولم يبق منه إلا ذات الذكرى المخزية.

بعد الحرب بـ31 عاماً، عشية 6 أكتوبر 2004، دوت انفجارات في أحد الفنادق السياحية بمدينة طابا، التي استردها المصريون من الإسرائيليين بعد معركة دبلوماسية شهيرة، لكن قنابل الجهاديين يبدو أنها قصدت أن تضرب المصريين عشية احتفالهم بنصرهم، وفي أرضهم التي استردوها بالدم، وفي مدينتهم التي ناضلوا من أجلها، فتردي عشرات القتلى جلهم من المصريين.

بعد الحرب بـ40 عاماً، أصرت جماعة الإخوان المسلمين ألا يحتفل المصريون بنصرهم، وأن تصدر الصحف في اليوم التالي، لا لتتحدث عن احتفال بمرور أربعة عقود على النصر، بل لتتصدر صفحاتها أرقام القتلى، وليضاف إلى أدبيات الإخوان التي يصنعونها الآن بمظلوميات جديدة، مصطلح "مجزرة 6 أكتوبر".

استهداف التيارات الإسلامية للأعياد الوطنية والقومية يبدو جديراً بالتساؤل حول أسبابه، فهو لم يحول النصر العربي الوحيد على العدو التاريخي لهم إلى ذكرى سيئة، بل يسعى لاستهداف كل ما يرتبط بالذاكرة الوطنية والقومية، مثلما تفجيرات شرم الشيخ التي وقعت يوم 23 يوليو 2005، عشية احتفالات المصريين بثورة يوليو.

تسعى الشعوب إلى محو الهزائم من ذاكرة شعوبها، مثلما فعل السادات عندما أعاد افتتاح قناة السويس يوم 5 يونيو 1975، في ذكرى نكسة يونيو، لكي يمحو الذكرى السيئة ويكتب تاريخاً جديداً يخلد البطولة المصرية، لكن الجهاديين لأنهم لا يعرفون معنى الوطنية، فهم يدمرون كل ما يرتبط بهذا المغزى.

قد يرى البعض أن ما يفعله الجهاديون من استهداف للذاكرة الوطنية، لم تفعله إسرائيل، من استهداف لفرحة المصريين بأعيادهم، وقد يرى البعض أنها محاولة للتكدير عليهم، غير أن القراءة الحقيقية لأفكار التيارات الراديكالية تطرح وجهة نظر أخرى، هي أن من يظنون أنفسهم ناطقين باسم الله في الأرض، يعتبرون هذه أعيادهم لا أعياد كل المصريين، فهم يرون أن انتصار أكتوبر هو انتصار لهم، وحدهم، على اليهود، لا انتصار للجيش المصري. لذا فمثلما تظاهر الإسلاميون من قبل في ذكرى غزوة بدر وفتح مكة، يرون أن تفجيراتهم وتقتيلهم وإرهابهم في ذكرى أكتوبر، هي محاولة لربط انتصار قديم، بانتصار يسعون له على أعدائهم من "الكفار".

إنها نفس الفكرة التي تجمع كل التيارات الراديكالية: تقسيم الأرض إلى فسطاطين، فسطاط للحق وفسطاط للباطل، فسطاط للإيمان وفسطاط للكفر، رغم أن الله ـ عز وجل ـ لم يترك مفتاح الجنة مع أحد بعينه على هذه الأرض.