صورة تعبيرية (أرشيف)
صورة تعبيرية (أرشيف)
الأربعاء 6 ديسمبر 2017 / 20:59

الفاتحة على روح "سي السيد"

الأسباب المباشرة للطلاق كما ترد على ألسنة المستشارين الأسريين، هي: عدم الانسجام وفقدان الحب، وعدم تفهّم رغبات الزوجة ومشاعرها، وغياب الحوار وسرعة الانفعال، والعنف وتحكم الأزواج، والخيانة الزوجية، والزواج بأخرى، وعدم التكافؤ الاجتماعي والثقافي

تبدّل مفاهيم النساء بشكل عام، والزوجات بشكل خاص، أوقع خمسة آلاف حالة طلاق في السعودية الشهر الماضي في مقابل عشرة آلاف حالة زواج، ولا أعتقد أن النسب ستختلف في بقية الدول الخليجية، خصوصاً في الإمارات التي تشير تقارير الصحف المحلية إلى أن معدلات الطلاق فيها من أعلى المعدلات في المنطقة.

ويمكن الجلوس وذكر الأسباب التقليدية لانتشار الطلاق على هذا النطاق الواسع، لكنني أعتقد أنه يجب التوقف أمام الظاهرة الجديدة في الخليج، والتي أعتقد أنها جزء لا يتجزأ من مشكلة زيادة عدد حالات الطلاق، وهي ظاهرة النسويات.

فإذا كان بروز نجم النسويات في الخليج قد ألقى بظلاله على القوانين المتصلة بحقوق المرأة في هذه الدولة الخليجية أو تلك، فمن باب أولى أن تقرع أصوات النسويات آذان البيوت الخليجية، وتبدأ حالة من الوعي لدى الزوجات بحقوقهن على أزواجهن، بأكثر مما تفرضه القوانين والأعراف، وبالتململ من الأسس القديمة في العلاقة الزوجية القائمة على السمع والطاعة، وبالعمل على إيجاد طريقة جديدة لإدارة علاقاتهن بأزواجهن، تقوم على المساواة والتكافؤ والاحترام المتبادل.

هذه النقلة النوعية في الأفكار من الطبيعي أن تصطدم بجدار الأفكار المتوارثة عن الزوجة، كماكينة تنظيف، وجهاز طبخ، وآلة تفريخ، ومركز عناية بالأولاد، ومدرسة تتلقى توجيهات تربية الأولاد من الناظر، وشمعة تذوب ليسهر شريكها على راحته، وفوق هذا كله قد يقدّم لها مديرها المنزلي كتاب الاستغناء عن خدماتها، ويستقدم غيرها، لأنه ما يزال شاباً ولا يحتمل النظر إلى تجاعيد وجهها.

وبطبيعة الحال، لا ينظر أكثر الأزواج إلى زوجاتهم بتلك الطريقة المبالغ فيها، لكن يبقى المفهوم السائد للعلاقة الزوجية الخليجية، أن مركز طرفٍ أقوى من مركز الطرف الآخر، حتى وإن كان هذا الطرف لا يسيء استخدام مركزه، فهو نظرياً في موقف أقوى، بل حين لا يستغل مركزه يستخف به بنو جنسه ويعتبر في نظرهم خاضعاً و"سكّان"، أي مقوداً في يد زوجته.
  
الأسباب المباشرة للطلاق كما ترد على ألسنة المستشارين الأسريين، هي: عدم الانسجام وفقدان الحب، وعدم تفهّم رغبات الزوجة ومشاعرها، وغياب الحوار وسرعة الانفعال، والعنف وتحكم الأزواج، والخيانة الزوجية، والزواج بأخرى، وعدم التكافؤ الاجتماعي والثقافي بين الزوجين، وتضخم الأنا والتفكير في النفس، وعدم رغبة طرف في تحمل المسؤولية، وضعف الوازع الديني.

ومعظم هذه الأوضاع التي تؤدي إلى زيادة وتيرة الطلاق اليوم كانت موجودة من قبل وليست بالجديدة في البيوت الخليجية، لكن الفارق أن الزوجة كانت تبلع وتصبر وتتحمل، على الأقل في أغلب الحالات، وبدأ صبر الزوجات ينفد اليوم سريعاً، والوعي بأنها لا تقل عن الرجل في أي شيء يجعلها تفضّل إنهاء العلاقة على البقاء فيها كطرف ضعيف، ومن البلاهة القول بعدم تأثير الأفكار النسوية على العلاقات الزوجية.

وما العمل الآن؟ القضاء على ظاهرة النسويات مثلاً؟! لا يمكن فعل ذلك، بل الظاهرة باقية وتتمدد. القبول بهذا التوسّع الكبير في الطلاق حتى وصل إلى نصف حالات الزواج؟! أيضاً لا يمكن الاستسلام لهذا الواقع الذي سيخلّف آثاراً سلبية على الحياة الاجتماعية وعلى أجيال من الناس سيكونون ثمار بيوت مهدّمة.

الحل في اعتقادي هو في قبول الرجال بالأمر الواقع الجديد الذي فرضته الظاهرة النسوية، والتي أعتقد أنها ستنتقل بسرعة من كونها ظاهرة إلى تيار جارف يكتسح حصون الذكورية ويجعل عاليها سافلها، بأن يضع الزوج على أعتاب باب المنزل لوحة مدون عليها "مساواة. تكافؤ. احترام متبادل"، ويقف عندها كلما دخل البيت أو خرج منه.

وقد يفضّل بعضهم الموت على تركيب تلك اللوحة أو العمل بمقتضى ما فيها، وقد ندخل في حقبة من الصراعات الزوجية تنتهي بحالات طلاق أكثر مما تحدث الآن، لكنني أعتقد أن الوضع سيستقر تدريجياً لكن ببطء، من خلال تسليم الرجال "الجدد" بحق النساء "الجديدات" في قول كلمة "لا".
وفي نهاية تلك الحقبة قد تنشأ ظاهرة تأخر سن الزواج لدى الجانبين، وظاهرة تفضيل العيش من دون ارتباط، ومن سيرتبط من الرجال سيضع في اعتباره أن وضع أسلافه انتهى، وأنه لن يستطيع تنصيب نفسه ملكاً في البيت.. وهنا يأتي دورنا جميعاً، إن كنا نريد حياة مستقرة لأولادنا وبناتنا، وهو تجهيزهم للأسس الجديدة في العلاقات الزوجية، والتأكيد عليهم بأن "سي السيد" قضى نحبه بقباقيب النسويات، وإنا لله وإنا إليه راجعون.