مدينة القدس.(أرشيف)
مدينة القدس.(أرشيف)
الثلاثاء 26 ديسمبر 2017 / 00:17

ماذا وراء قرار ترامب بتسليم القدس لإسرائيل؟

كيف يتوهم الرئيس الأمريكى "ترامب" أن الفلسطينين والعرب يمكن أن يتنازلوا عن القدس كعاصمة لما تبقى من الدولة الفلسطينية التي كانوا يحلمون بأن يستردوها من النهر إلى البحر ؟

لا أعرف حتى الآن، سبباً معقولاً يدعو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لاتخاذ قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في هذا التوقيت بالذات، ولم أفهم ما هي الجدوى السياسية التي يتوقعها من إعلانه ذاك، ولم أجد ما يدعوني للاقتناع بصواب إدعائه بأن الأمر الواقع في القدس يصرخ كله بأنها قد أصبحت بالفعل عاصمة لإسرائيل، ليس فقط لأنها منذ سنوات مقر الحكومة الإسرائيلية، ومقر الكنيست الإسرائيلي، فضلاً عن أنها المدينة التي التي يلتقي فيها المسؤولون الإسرائيليون بنظرائهم من المسؤولين فى دول العالم، بمن في ذلك المسؤولون العرب الذين تتبادل بلادهم العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل، ليتبادلوا الأفكار والأنخاب والمباحثات والمفاوضات، والصفقات التجارية والسياسية، ويتابعوا مستقبل عملية السلام بين العرب واسرائيل وهو ما يعني أنها بحكم الأمر الواقع تقوم مقام عاصمة إسرائيل!

إلا أن هذا الأمر الواقع نفسه لا ينفي الوجه الآخر للأمر االذي يقول كذلك أن القرار الذي اتخذته إسرائيل بضم القدس لأراضيها، واتخاذها عاصمة لها، هو قرار باطل صدر عن جانب واحد، وبالمخالفة لقرار هيئة الأمم المتحدة التي اعتبرت القدس مدينة محتلة شأنها في ذلك شأن مدن الضفة الغربية لنهر الأردن التي احتلتها إسرائيل فى عدوان 1967. وفضلاً عن هذا، فإن القرار الذي اتخذه الكونجرس الأمريكي عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالأخيرة عاصمة لإسرائيل، كان قراراً مشروطاً بأن تختار الأدارة الأمريكية لتنفيذه الوقت والظروف الملائمة التي لا تتسبب في أضرار للأمن القومي الأمريكي، وهو ما اضطر ساكن البيت الأبيض، سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً، على إمتداد العهود التي تلت صدور القرار، إلى تأجيل تنفيذه 44 مرة بواقع مرتين كل ستة شهور.

ثم أن كل دول العالم تقريباً– باستثناء دولتين صغيرتين-لم تعترف بالقرار ولم تنفذه، احتراماً لقرار الأمم المتحدة باعتبار القدس مدينة محتلة، وادراكاً منها بأن تنفيذه سوف يزيد أعقد مشاكل العالم المعاصر وهي مشكلة الشرق ألأوسط، تعقيداً، ويجعل التوصل لحل سلمي لها أمراً يكاد أن يكون مستحيلاً...

وحين شاءت الظروف أن تنفتح ثغرة في جدار الجمود الذي يحيط بقضية الشرق الأوسط، وبدأت المفاوضات غير المباشرة، ثم المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، توصلا بمعونة الوسطاء إلى برنامج عملي يقضي بأن تكون القدس واحدة من أربع قضايا تقرر تأجيل التفاوض حولها إلى المرحلة الأخيرة من المفاوضات لتعقد وتباعد وجهات نظر الطرفين بشأنها، وهي قضايا: الحدود والمستوطنات والمياه ووالقدس. وتمهيداً لذلك، وعلى الرغم من تعثر المفاوضات الإسرائيلية –الفلسطينية، بدأت بعض الأفكار والاقتراحات لحل مشكلة القدس تطرح نفسها على الساحة، كان أهمها فكرة أن تكون المدينة المقدسة موطناً لأتباع الأديان السماوية الثلاثة، عاصمة موحدة لدولتين إحداهما فلسطينية والأخرى إسرائيلية، بحيث تكون كل عاصمة منها حياً من أحيائها، ويتشكل لإدارتها –كمدينة موحدة - مجلس محلي يضم ممثلين لكل سكانها، على اختلاف أديانهم وأجناسهم..

وصحيح أن مسيرة السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قد وصلت خلال السنوات الأربع الأخيرة، إلى طريق مسدود، وانقطعت الاتصالات بين الطرفين، ولكن من الصحيح -كذلك-أن وصول الرئيس دونالد ترامب المفاجئ إلى البيت الأبيض، قد جدد الآمال في امكانية التوصل إلى حل جذري لمشكلة الشرق الأوسط، استنتاجاً من الشعارات التي طرحها أثناء حملته الانتخابية، وأكدها في أعقاب فوزه، بأنه سيسعى لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، تمهيداً للتوصل لما يسمى "بصفقة القرن" التي سوف تنتهي– بفضل بركات الرئيس ترامب -بحل سلمي لأعقد مشاكل القرن العشرين!

وكان وراء التفاؤل بأن الساكن الجديد في البيت الأبيض سيأتي بما لم يأت به الرؤساء الأوائل، منذ الرئيس ترومان إلى الرئيس أوباما، إدراك لدى الجميع بأن المناخ المحلي والإقليمي والدولي الذي سبق وأحاط بوصوله إلى منصبه في البيت الأبيض، يختلف بشكل لافت للنظر عما سبقه، وكان ذلك ما دفعه لكي يؤكد على أن الأولوية القصوى أمام إدارته ستكون التصدي لكل العوامل التي تشعل شرارات العنف والتطرف فى العالم المعاصر، وهو ما دفع كثيرين من العرب والفلسطينيين، إلى الظن بأن الرئيس الأمريكي الجديد، سيستخدم كل ما لديه من تأثير ونفوذ على إسرائيل، بحكم أنها تعتمد في وجودها على ما تقدمه لها الولايات المتحدة من معونات اقتصادية وعسكرية، لكي يحقق هذا الظن، خاصة بعد أن تنازل العرب والفلسطينيون خلال الأعوام السبعين التي مضت، منذ بدأ الصراع المسلح بين الطرفين، عن معظم مطالبهم، ولم يعد لهم سوى مطلب متواضع، هو أن تكون للفلسطينيين دولة على الأرض التي احتلت عام 1967 تكون عاصمتها القدس الشرقية!

فكيف يتوهم الرئيس الأمريكي "ترامب" أن الفلسطينين والعرب يمكن أن يتنازلوا عن القدس كعاصمة لما تبقى من الدولة الفلسطينية التي كانوا يحلمون بأن يستردوها من النهر إلى البحر؟ ومن الذي أقنعه يأن منح القدس للإسرائيليين، يعيد الأمن والاستقرار، ويقضي على العنف في المنطقة؟!.. ومن الذي أوهمه بأن ذلك سيدفع الراديكاليين من سكانها إلى الرضاء بما قُسم، وأنه لن يزيدهم تشدداً على تشدد، وتطرفاً فوق تطرف..وما هي الوعود التي حصل عليها من الإسرائليين مقابل إرضاء الفلسطنيين بأن يتنازلوا طواعية عن أولى القبلتين وثالث الحرمين؟!

تلك هي الأسئلة التي لا اجابة عليها لدى ساكن البيت الأبيض!