الثلاثاء 22 أكتوبر 2013 / 21:23

ريهانا والاصطياد في المياه العكرة

بغض النظر عن فداحة ما ارتكبته ريهانا أو تفاهته، وبغض النظر إن كانت فعلت ما فعلته عن قصد وترصد أم عن جهل وبلاهة، إلا أن استغلاله من قبل البعض للنيل من اسم الإمارات، جاء مكشوفاً ودالاً على نوايا مبيتة متأهبة للانقضاض عند أية فرصة سانحة.

ففي النهاية كان بوسع ريهانا أو غيرها من الفنانين والفنانات إظهار صورهم على خلفية أي جامع أو جامعة وبالوضعيات التي يشاءونها عبر تقنيات الفوتوشوب والتكنولوجيا الحديثة، دون الحاجة إلى زيارة المكان فعلاً أو الحصول على أية تصريح، ودون أن يردعه أحد.

إن احترام خصوصيات الشعوب الأخرى ينبع من الذات أولاً وأخيراً ومن احترام منظومة حقوق الإنسان التي أقرها المجتمع الدولي منذ عقود صفة لمعنى أن تكون إنساناً متحضراً. ولكن علينا أن ندرك أيضاً أن مفهوم "الخصوصية الثقافية" قد يتخذ مساحات تتسع أو تضيق حسب الخبرة الحياتية لكل فرد. وعند افتراض حسن النوايا فإن هذا المفهوم يتسع حتى تتماهى حدوده لمغنية من بيئة متحررة تماماً من نطاق "المقدس".

يمكن لأي إشكالية، نابعة من اختلاف أرضية المفاهيم، معالجتها في نطاقها وضمن سياقها الثقافي بين أطرافها المعنيين دون الحاجة للزج بالحدث في معمعة الدفاع عن حياض الدين التي باتت سلاح جاهز يُشهر بمناسبة ودون مناسبة، حتى أصبح البعض يبدو وكأنه خالد بن الوليد في حروب فتح دائمة.

الإمارات، التي تقدّم نفسها نموذجاً للانفتاح والتسامح، لا تقف، في الوقت نفسه، على الضفة الأخرى من الدين، كما يحاول البعض زعمه عبر بحثه الدؤوب عن أدلة من هنا أو هناك وكلما أبّ حدث عارض فجأة على السطح ليرفقه في ملف تكفير جاهز يخرج البلاد من ملتها حسب هواه.
إن الدين، في عمومه، رسالة محبة وسلام ويد ممتدة لتصافح الإنسانية نحو هدف سامٍ هو التعايش السلمي وإعمار الأرض، ولا يمكن لهذه المصافحة أن تتم الا بالحوار الهادئ البعيد عن أجواء التشنج والذي يحترم حق الآخر في السؤال والاصغاء وارتكاب الأخطاء أحياناً. جميعنا نرتكب الأخطاء، لكن هل كانت النوايا سيئة حقاً؟

وفي النهاية هؤلاء الزوار يأتون من خلفيات ثقافية مختلفة تتباين فيها مفاهيم "المقدس" و"الاحتشام" ومعنى أن تكون في باحة مسجد. يمكن لأي حدث أن يتم تحويلة لآلة يُعزف على وتر حساس فيها كوتر الدين، ليثير مشاعر جماهير طيبة النيّة تأخذها الحميّة لتخرج في احتجاج صارخ على حدث جارح، كما حصل مراراً ويحصل تكراراً كلما أنتج أحدهم فيلماً مسيئاً أو أصدر كتاباً مليئاً بالافتراءات أو رسم صورة مسيئة يشوه فيها صورة دين شوهه أهله أكثر من أي أحد آخر.

يظل جامع الشيخ زايد في النهاية فضاء روحانياً فريداً وتحفة معمارية تستحق التخليد في الصور التذكارية ويظل استغلاله لأغراض استعراضية أمر غير لائق واستفزازي حقاً. لكن الزج باسم دولة للنيل منها حكومة وشعباً وثقافة وسياسة في هكذا حدث هو أسلوب الممتهنين الاصطياد في المياه العكرة. ومن المياه العكرة لا تخرج إلا الروائح المنفرة، ولن يخدم هذا أي طرف.