الرئيس السابق بوريس يلتسين مصافحاً الرئيس فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الرئيس السابق بوريس يلتسين مصافحاً الرئيس فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الأحد 18 مارس 2018 / 20:23

ست سنوات إضافية في الكرملين

ثمة آراء متضاربة حول أسباب ذلك الصعود المفاجئ، الذي يميل البعض إلى تفسيره بحقيقة اطلاعه على أسرار وخبايا الحكم، وقضايا فساد كثيرة، في عهد الرئيس يلتسين، ورغبة الأخير في تفادي الملاحقة

تشهد روسيا، اليوم (الأحد) انتخابات رئاسية تبدو نتيجتها معلومة. فمن بين ثمانية مرشحين يتنافسون على منصب الرئيس، تبدو حظوظ الرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، هي الأوفر. وهذا، على الأرجح، ما ستؤكده النتائج الأولية لفرز الأصوات في المساء.

الرئيس بوتين هو الرجل الأقوى، وصاحب السلطة الفعلية في الاتحاد الروسي، منذ 18 عاماً، ومن المتوقع أن تضمن له نتائج انتخابات اليوم ست سنوات إضافية، حتى العام 2024، وبالنظر إلى تعديل القانون الرئاسي في الصين، وتمكين الرئيس شن جين بينغ من البقاء في رئاسة البلاد مدى الحياة، فمن غير المُستبعد أن يجد أنصار بوتين وحلفاؤه في هرم السلطة، في موسكو، وسيلة لتمكينه من البقاء في سدة الحكم إلى أجل غير معلوم.
وقد تصرّف بوتين في الانتخابات الأخيرة بطريقة توحي بثقة كاملة في الفوز، فلم يشارك، مثلاً، في المناظرات التلفزيونية لمرشحين آخرين يمثلون خليطاً من الشيوعيين والليبراليين والقوميين ورجال الأعمال، ولم يُنظّم حتى حملة انتخابية بالمعنى المألوف للكلمة. ومصدر الثقة يمكن حصره في ثلاثة أمور: السيطرة على كل مفاصل الدولة الاتحادية أولاً، والنزعات الشعبوية التي تفشّت في روسيا على مدار العقدين الماضيين ثانياً، وقمع وتصفية الخصوم والمعارضين السياسيين بطريقة غير مسبوقة ثالثاً.

وتبدو هذه الأمور وثيقة الصلة بصعود بوتين في المشهد السياسي الروسي. ففي لحظة تفكك الدولة السوفياتي وانهيارها كان بوتين ضابطاً متوسّط الرتبة في جهاز أمن الدولة السوفياتي (كي جي بي) في ألمانيا الشرقية، وبعد عودته إلى مدينة ليننغراد، التي نشأ وتعلّم فيها، والتي استعادت اسمها القديم سانت بطرسبرغ، بعد انهيار الحكم الشيوعي، شغل مناصب إدارية في البلدية والحكومة المحلية، وتمكّن نتيجة اقترابه من الدائرة الضيقة للرئيس يلتسين من الوصول إلى الكرملين في موسكو.

وحتى اليوم ثمة آراء متضاربة حول أسباب ذلك الصعود المفاجئ، الذي يميل البعض إلى تفسيره بحقيقة اطلاعه على أسرار وخبايا الحكم، وقضايا فساد كثيرة، في عهد الرئيس يلتسين، ورغبة الأخير في تفادي الملاحقة بعد خروجه من هرم السلطة.

ومن الواضح أن الصلات التي أنشأها بوتين في زمن دراسته في سانت بطرسبرغ، وعمله في جهاز أمن الدولة السوفياتي، هي التي جنّدها لتثبيت أقدامه في الكرملين، فأغلب مساعديه وحلفائه في إدارة أجهزة الأمن، والرقابة، والاقتصاد، تعود أصولهم المهنية إلى الكي جي بي، وتبرر الثقة بهم صداقة شخصية، وعلاقات عمل جمعتهم به، وهم في الغالب من سانت بطرسبرغ، أيضاً. ويلاحظ المختصون في الشأن الروسي أن هؤلاء، وخاصة بعد انهيار الحكم الشيوعي، والفوضى الهائلة التي امتدت قرابة عقد من الزمن، لم يُميّزوا كثيراً من المال العام والخاص، وتمكنوا من مراكمة ثروات طائلة.

وما يُميّز هؤلاء، أيضاً، رغبة قوية في استعادة ما كان لروسيا من هيبة ومكانة في العالم في زمن الدولة السوفياتية. وبما أن خلفياتهم ومؤهلاتهم أمنية في المقام الأوّل، كان من الطبيعي توظيف تلك المؤهلات في تثبيت دعائم الدولة المركزية، وبلورة السياسات الداخلية والخارجية للاتحاد الروسي.
وعلى خلفية كهذه، أيضاً، يمكن فهم وتفسير حقيقة ضمور التجربة شبه الديمقراطية في عهد الرئيس يلتسين، ووصولها إلى طريق مسدودة في عهد بوتين، والانخراط في مغامرات عسكرية، ومجازفات سياسية. ولم يكن هذا كله ليتأتى، بالمعنى الأيديولوجي، دون شعارات الشعبوية السياسية، وإثارة النزعات القوموية لكسب تأييد وتعاطف المواطنين الروس.

يجد كل ما تقدّم تجلياته في سلسلة أزمات تغطي مساحات جغرافية تمتد من شبه جزيرة القرم، التي احتلها الروس، إلى سوريا، التي دعموا حرب نظامها على شعبه، علاوة على أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع بريطانيا، على خلفية اغتيال عميل سابق مزدوج، وتحقيق لم يتوقف بعد حول احتمال تدخّل الروس في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

وبقدر ما تُلقي أشياء كهذه من ظلال وشكوك، إلا أنها تُشبع لدى قطاع من المواطنين الروس الإحساس بأن بلادهم تنتزع ما كان لها من مكان ومكانة في زمن الاتحاد السوفياتي، حتى وإن كان الثمن العودة إلى أجواء الحرب الباردة، وتجاهل صعود الدولة البوليسية، ودعم الطغاة في مناطق مختلفة من العالم. والواقع أن النزعات الشعبوية، والقوموية، معطوفة على فكرة الدولة القوية، والرجل القوي، تجد صدى في أوساط اليمين الأوروبي على نحو خاص، وهم ينظرون إلى روسيا بوتين بوصفها مثالاً يُحتذى، وبديلاً لأنظمة الديمقراطية الليبرالية.

ومع كل هذا، يبقى في الذهن أن التجربة الروسية في عهد بوتين محفوفة بالمخاطر الداخلية والخارجية، فمن غير المعروف إلى أي حد يمكن التغاضي عن صعود الدولة البوليسية، وتحالف الأمن مع مافيا الاحتكارات، وتصفية الخصوم بالقتل، في الداخل، وإلى أي حد يمكن لاقتصاد يعاني من اختلالات بنيوية هائلة تمويل مغامرات خارجية. كل ما يمكن تأكيده، الآن، أن الرئيس بوتين أضاف ست سنوات إضافية إلى رصيده في سدة الحكم.