الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيف)
الثلاثاء 20 مارس 2018 / 20:33

تأهيل الخراب الفلسطيني

بمنطق اتقاء شرور التغيير المفترضة ومعالجة الرتابة باعادة إنتاجها والنمطية بمزيد من التنميط تصر القيادة الفلسطينية على التمسك بسياسة التعايش مع الأزمات بدلاً من البحث عن الحلول.

أول ما يمكن أن يتبادر للذهن عند الحديث حول خطوة انعقاد المجلس أنها تمثل ارتداداً عن ما تم الاتفاق عليه في اجتماعات عقدتها الفصائل والقوى الفلسطينية لاصلاح المؤسسات وبناء جسور مع قواعدها المفترضة وتديم الانقسام الفلسطيني

إيحاءات الرئيس محمود عباس بالخروج من الحياة السياسية بالاستقالة أو بفعل المرض والحديث حول انعقاد جلسة للمجلس الوطني نهاية الشهر المقبل في رام الله يعيدان هذه النمطية، التي تحولت لنهج سياسي، إلى دائرة الجدل التي تتسع بين حين وآخر بمزيد من الأسئلة حول ما يجري التعامل معه باعتباره من المسلمات.

تترك الإيحاءات علامات استفهام حول جدية الرحيل ويفضي تداولها إلى شكوك بأن الهدف منها يقتصر على توجيه رسائل إلى أطراف خارجية أو داخلية ما يعيد إلى الأذهان ظاهرة الحرد السياسي التي اشتهر بها الراحل ياسر عرفات لدى مواجهته مصاعب مع شركائه المفترضين في القيادة الفلسطينية.

بعض الأسئلة المطروحة يدور حول هامش الحركة المتوفر لخليفة عباس وحدود اختلاف الخلف عن السلف في ظل استحقاقات اتفاق أوسلو التي تجاوزها الجانب الإسرائيلي ويتمسك بها الرسميون الفلسطينيون باعتبارها ضمان البقاء على الخارطة السياسية.

وبين التداعيات المحتملة لرحيل الرئيس تزايد الصراع بين أركان وأقطاب حزب السلطة على الخلافة، ما يفاقم أزمات الخليفة المنتظر، ويقلل من قدرته على ضبط إيقاعات الحزب ومنع اتساع حالة الترهل.

تعقيدات الحالة الفلسطينية وربما كاريكاتوريتها لا تقف عند هذا الحد إذا وضعنا في عين الاعتبار انتهاء ولاية الرئيس منذ سنوات، وارتهان بقائه لشروط الاستثناء الذي تحول إلى قاعدة.

يندرج في هذا السياق أيضاً أن الرئيس يدير سلطته في ظل غياب السلطة التشريعية التي انتهت صلاحيتها ولم تعد تمارس أي دور فعلي ما حولها إلى ديكور متآكل يذكر بأوهام بناء المؤسسات في ظل غياب الرؤية الواضحة للصراع مع الجانب الإسرائيلي والعلاقات الداخلية الفلسطينية.

تضيف ملابسات وظروف انعقاد المجلس الوطني، الذي ساهمت أوهام بناء سلطة حقيقية في تقزيمه وتهميش دوره بعد توقيع اتفاق أوسلو، قتامةً على المشهد الفلسطيني الموغل في ارتباكه.

أول ما يمكن أن يتبادر للذهن عند الحديث حول خطوة انعقاد المجلس أنها تمثل ارتداداً عما اتفق عليه في اجتماعات عقدتها الفصائل والقوى الفلسطينية لإصلاح المؤسسات وبناء جسور مع قواعدها المفترضة وتديم الانقسام الفلسطيني وتبقي ما كان مرجعية للعمل الوطني رهينة التجاذبات ولا تخرجه من هامشيته.

أمام هذه المعطيات تتهاوى التنظيرات التي تتعامل مع انعقاد المجلس باعتباره خطوة لتصليب الحالة الفلسطينية ولا تأخذ في الاعتبار أن هذه الخطوة تقتصر على ملء بعض الشواغر والتخلص من شخصيات اختلفت في وجهات نظرها مع الرئيس وبعض الأقطاب المتصارعة في دائرته.

تفوت سياسات "الترقيع الذي لا بد منه لادامة الستر" و "تأهيل الخراب" و"إبقاء الحال على حاله" التي اعتادت عليها الذهنية الرسمية الفلسطينية فرصة تكريس مناخات المصالحة وإعادة بناء المؤسسات المتداعية والمساعدة في إضفاء ما يكفي من الشرعية لمواجهة المنزلقات المقبلة ما يوفر عوامل جديدة لانقسامات لاحقة ويبقي الشكوك حول شرعية القيادة وقدرتها على التعامل مع المنعطف الذي تمر به قضيتها.