لاجئون سوريون على الحدود مع تركيا (أرشيف)
لاجئون سوريون على الحدود مع تركيا (أرشيف)
الثلاثاء 15 مايو 2018 / 20:30

أصوات السوريين أصوات كثيرة

بادرني الموظف التركي وأنا أنتظر ترجمة جواز سفري في مكتبهم: "سيتم منحكم الجنسية التركية، وطنداش، إن شاء الله". قالها دون مناسبة، فهو ليس صاحب قرار ولا سمساراً، وأنا لم أطلب ذلك منه، أو من غيره، ولم أجرِ معه أي حوار حول ذلك، كوني لا أعرف من اللغة التركية إلا كلمات لا تتيح لي الدخول في حوار من أي نوع مع أي كان.

داخل سوريا، يلوم كثير من السوريين، والفلسطينيين، أنفسهم، لأنهم لم يخرجوا من البلاد، في تعبير عن حالة الخوف والعوز الاقتصادي الذي يعانون منه، ومن لم تعضه آلة الحرب أخضعته الحاجة إلى لوم نفسه على عدم الفرار بروحه

ربما ظن أني أقوم بترجمة الجواز لهذا الغرض، أو لأنه يعرف أن حديث السوريين لا ينقطع عن هذه الخطوة التركية غير المعلنة بشكل واضح.

على كل حال، الرسمي في تركي أن حوالي 60 ألف سوري حصلوا على الجنسية، أو سيحصلون عليها قريباً، من بين أكثر من ثلاثة ملايين سوري يعيشون في تركيا، بين مقيم ولاجئ ومستثمر.

والمعروف أن تركيا بلد متشدد القوانين في منح الجنسية، كون تركيا غير منضمة إلى اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين، ولديها نسختها الخاصة في قانون اللجوء بمنح "حق الحماية المؤقتة للاجئين"، خلافاً لمعظم دول العالم الأخرى.

هذا لنقول إن هاجس السوريين حول التجنيس في أوروبا هو مسألة وقت، وإن كانت الشروط هناك أصبحت متشددة بعد موجة اللجوء الكبيرة، وانضمام السوريين إليها، في السنوات الأخيرة.

أما في الدول العربية، من الخليج إلى مصر إلى الأردن ولبنان والعراق، فلا نلمس بين السوريين هذا الهاجس، وأقصى ما يمكن أن يتمناه السوري الحصول على حق الإقامة الموقتة دون أدنى أمل بالحصول على الجنسية إلا للمستثمرين، وفي حالات نادرة.

هذه الأصوات السورية تصدر عن تشاؤم بدأ هذا العام بعد تراجعات مستمرة لقوة المعارضة السياسية والعسكرية منذ نهايات عام 2016. نتج عن ذلك حالة جعلت السوريين يفكرون بالاستقرار في أماكن لجوئهم، مستسلمين للأمر الواقع الذي قد لا يبلغ في هذه المرحلة حد اليأس، حتى لو كانت القوانين والإجراءات التي تصدر عن النظام الأسدي تبرر هذا اليأس.

في تركيا، مثلاً، أثارت تصريحات رئيسة "حزب الخير" "İYİ Parti"، ميرال أكشينار، بأن السوريين سيفطرون في سوريا في رمضان المقبل، موجة من الخوف، بعد ترجمة خاطئة لكلامها فسرها بعضهم أنها دعوة ونية لطرد ملايين السوريين وراء الحدود إذا فازت أكشينار في الانتخابات الرئاسية.

بالطبع، أصبحت ورقة اللجوء انتخابية في دول عديدة، ليست من بينها الدول العربية، لأن كلمة انتخابات غير متداولة في هذه الدول قبل اللجوء، ولن يكون لها مكان فيها من بعد.

في داخل سوريا، يلوم كثير من السوريين، والفلسطينيين، أنفسهم، لأنهم لم يخرجوا من البلاد، في تعبير عن حالة الخوف والعوز الاقتصادي الذي يعانون منه، ومن لم تعضه آلة الحرب أخضعته الحاجة إلى لوم نفسه على عدم الفرار بروحه وروح أولاده، أو بمستقبلهم.

وعلى حين كانت ثورة الكرامة السورية طرحت منذ مارس (آذار) 2011 فكرة التداول السلمي للسلطة، وانتزاع حق السوريين الغائب بحالة ديمقراطية تشعرهم بالعيش بكرامة في بلدهم، لم تعد هذه الفكرة متداولة في القاموس اللفظي لكثير من السوريين، لتحل محلها فكرة الدفاع عن حقه كلاجئ إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً، والاكتفاء بالاحتفاظ بجنسية بلده الأم، وحقه في انتظار المجهول والمستقبل.

أكثر من ذلك، تشير خبرات السوريين المهاجرين إلى أن قضاء خمس سنوات في بلد اللجوء تحذف خمسين في المئة من احتمالات العودة، وعشر سنوات تجعل الاحتمال قريباً من الصفر، خاصةً للأطفال والمواليد الجدد، ولكل عائلة أصبح لها قبور في بلاد اللجوء.

إذاً، أصبحت فكرة اللجوء إلى صناديق انتخابات سورية أبعد الآن، وتشتتت الأصوات أكثر مما كانت. ومن غير المنطقي اعتبار اللاجئين السوريين في دورة تدريبية في بلاد اللجوء لإتقان أصول الانصياع لنتائج الصناديق. والأرجح أنهم سيكونون أصواتاً وازنة في انتخابات تلك الدول، ليس في تركيا فقط، بل في دول شمال أوروبا ووسطها أيضاً.

ومثلما عبّر المستويان السياسي والعسكري المتصدران لتمثيل السوريين، في أول الثورة ووسطها، عن تدني وعي سياسي وعسكري وانتخابي، وعن انخفاض القدرة على الفعل والتغيير، وإظهار عدم ارتباطهم بأي قاعدة جماهيرية، أو حاضنة شعبية، كذلك كان حال السوريين الأفراد، الذين اتخذوا قراراتهم فردياً، حتى ضمن العائلة الواحدة، فكانت النتيجة أن انفرط عقد السياسيين، والعسكريين، وخلت الأرض تقريباً من المعارضة، بينما يبحث سوريو الشتات عن خلاصهم الفردي، غير ملامين.

أما في "معسكر الموالين أو الصامتين" في داخل سوريا تحديداً، فالحالة أكثر ضغطاً، وأقل أفقاً سياسياً واقتصادياً. بينما يتشارك اللاجئون، معارضون أو موالون، الآلام والآمال نفسها، في ما يتعلق بشؤون حياتهم اليومية.

والنتيجة واحدة بالنسبة للطرفين، ففشل قيادات المعارضة أدخلت التشاؤم، واليأس ربما، إلى نفوس "قاعدتهم الشعبية"، مثلما يشعر الموالون والصامتون بعدما مالت كفة النصر إلى النظام الأسدي.