تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الثلاثاء 29 مايو 2018 / 14:58

الليرة واللاجئون السوريون في قلب الانتخابات التركية

معظم السوريين العاملين في تركيا يقبضون رواتبهم بالعملة التركية، وهم بلا ضمان اجتماعي، ولا صحي، ولا حق بالمطالبة بزيادة الراتب لتعويض التضخم، والزيادات المتتالية في الأسعار، خلافاً للأتراك الذين يتم تعويضهم جزءاً من الدخل المتراجع نتيجة التضخم.

يزيد قلق الأتراك والسوريين المقيمين واللاجئين في تركيا هو عامل الانتخابات الرئاسية والنيابية المتزامنة في 24 يونيو (حزيران) المقبل، فكل التوقعات ترجح استمرار حالة التذبذب الحاد لليرة حتى إعلان نتائج هذه الانتخابات

أما السوريون في الشمال السوري، فعلى الأغلب لم يتأثروا بالزيادة في أسعار البضائع التركية الداخلة عن طريق التجار، لكن التاجر استفاد كثيراً من تراجع قيمة العملة التركية، لأنه يدفع ثمن البضاعة بالدولار الأمريكي.

يأتي ذلك وسط قلق من عموم السوريين نتيجة استغلال الأحزاب المعارضة قضية انخفاض سعر الليرة التركية، وقضية اللاجئين، في حملاتها الانتخابية للتهجم على سياسات "حزب العدالة والتنمية" من باب تسهيل إقامة ملايين منهم في تركيا، على خلفية الحرب المستمرة في سوريا منذ سبع سنوات.

وكرر كل من "حزب الشعب الجمهوري"، و"الحزب الجيد"، خاصة، خطابهما العنصري تجاه اللاجئين، في تجمعاتهما الانتخابية، ويتقصدان من وراء ذلك تجييش الشارع التركي ضد الحزب الحاكم، في محاولة لإقناع جمهورهما بأن الوجود السوري الكثيف في تركيا هو سبب انهيار الليرة التركية ووصولها إلى أرقام قياسية، وأن معالجة ذلك هي في طرد السوريين وإعادتهم قسراً إلى بلادهم.

بالطبع، هذا الخطاب غير دقيق، فوفقاً للقوانين التركية لا يستطيع أحد طرد السوريين مادامت الحرب قائمة في سوريا، وذلك التزاماً ببنود "قانون الحماية الموقتة" المعتمد في تركيا، والذي يختلف عن اتفاقية الأمم المتحدة في خصوص اللاجئين أوقات الحروب. فالقانون التركي لا يبيح طرد اللاجئين إلا ضمن ضوابط قانونية لا يمكن أن تنطبق إلا على عدد قليل من ضمن أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون سوري يقيمون في تركيا.

والأسبوع الماضي، كادت الليرة التركية الجديدة تصل إلى مستوى تاريخي بتجاوز حاجز خمس ليرات مقابل الدولار الأمريكي، بوصولها إلى أكثر من 4.92 ليرة للدولار، مع العلم أنها تجاوزت كل التوقعات الشهر الماضي بعدما قاومت الحاجز النفسي لأربع ليرات منذ شباط عام 2017. وأكثر المتشائمين لم يكن يتوقع أن تصل إلى 4.20 مقابل الدولار، لكنها تدافعت نحو 4.3، ثم 4.5، وصولاً إلى 4.92 لدقائق فقط صباح الأربعاء الماضي (23 مايو/ أيار) في ما يشبه الانهيار الكارثي.

لكن الانهيار ليس كارثياً، حتى لو تجاوز هذا الانخفاض نسبة 20 في المئة منذ بداية هذا العام، فهذه طبيعة عملات الاقتصادات الصاعدة. حدث ذلك من قبل في الأرجنتين، والبرازيل، وجنوب أفريقيا. كما حدث في كوريا الجنوبية، وتايوان، في الأزمة الاقتصادية عام 1997، وفي بدايات أزمة الرهن العقاري عام 2008 في البلدان ذاتها.
في الأزمة الاقتصادية عام 2008 لم يحدث ذلك في تركيا. وبينما قلصت الحكومات الغربية من إنفاقها، توسعت الحكومة التركية في ذلك، وأعفت الطلاب من الأقساط الدراسية، في جميع المراحل، ودعمت أسعار الدواء، والغذاء، فنجت تركيا من آثار الأزمة، واستمر نمو اقتصادها وانتعاشه.

وما يزيد قلق الأتراك والسوريين المقيمين واللاجئين في تركيا هو عامل الانتخابات الرئاسية والنيابية المتزامنة في 24 يونيو (حزيران) المقبل، فكل التوقعات ترجح استمرار حالة التذبذب الحاد لليرة حتى إعلان نتائج هذه الانتخابات. وإذا فاز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بولاية ثانية من الجولة الأولى، مع تصدر حزبه (العدالة والتنمية) لنتائج الانتخابات النيابية، فإن ذلك يدفع إلى توقع انتعاش الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، خاصة وأن الموسم السياحي قد بدأ. أما إذا كانت هنالك جولة انتخابات رئاسية ثانية، فاضطراب الليرة سيستمر حتى حسم الرئيس أردوغان للصراع الانتخابي في الجولة الثانية.

هنالك بدائل متوقعة أخرى، في حال حسم أحد مرشحي المعارضة صراع الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية، وهو أمر مستبعد وفق معظم المحللين. وبدائل أكثر تعقيداً إذا لم يحسم الحزب الحاكم وحلفاؤه، "حزب الحركة القومية"، و"حزب الاتحاد الكبير"، و"حزب الدعوة الحرة"، الانتخابات النيابية في اتجاه تشكيل ائتلاف حاكم في مواجهة الأحزاب المعارضة التي لا وزن كبيراً لها باستثناء "حزب الشعب الجمهوري".

في الواقع، أسباب تذبذب الليرة نفسية وانتخابية أكثر منها اقتصادية. ففي الجانب الاقتصادي تعود الأسباب إلى قوة الدولار في الفترة الماضية أمام جميع العملات وأمام الذهب، فيما تأثر النفط بقرارات ترامب حول الملف النووي الإيراني من جهة، ومن جهة أخرى بأنباء عن محادثات مع كوريا الشمالية، يبدو أنها لا تزال في طور التحضير. واليورو خسر خلال شهر أكثر من 500 نقطة أمام الدولار، كذلك خسر الجنيه الاسترليني حوالي 600 نقطة.

ومن الأسباب السياسية التصريحات غير الموفقة للرئيس أردوغان في معهد (تشاتام هاوس) أثناء زيارته للندن منتصف الشهر الجاري، وحديثه عن ضرورة خفض سعر الفائدة للجم التضخم الذي اقترب من 11% على أساس سنوي في أبريل (نيسان) الماضي، على عكس ما تريد الحكومة من محاصرته في خانة عددية واحدة (9% أو ما دون ذلك).

فالمعلوم في الاقتصاد أن خفض الفوائد يأتي لتشجيع الاستثمار، أما الغاية من رفعها فهي مواجهة التضخم الزاحف، أو الجامح.

ويعود انخفاض الليرة التركية المستمر منذ أعوام إلى مجموعة من الأسباب الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية.
ومن الأسباب الاقتصادية عجز الميزان التجاري، حيث وصل وفقاً لبيانات وزارة الجمارك والتجارة التركية إلى 37.5 في المئة (77.06 مليار دولار)، على الرغم من القفزة النوعية للصادرات في العام الماضي بنسبة 10.2% إلى 157.09 مليار دولار، إلا أن الواردات ارتفعت أيضاً بنسبة 17.9% إلى 234.16 مليار دولار. هذا على الرغم من تحقيق تركيا معدل نمو اقتصادي تاريخي بلغ 7.4 في المئة العام الماضي.

لكن يبدو أن البنك المركزي التركي حافظ على استقلاليته حتى الآن في مواجهة رأي الرئيس أردوغان، برفعه معدل الفائدة الأسبوع الماضي من 13.5 في المئة إلى 16.5 في المئة، وتقديم تسهيلات للبنوك لتسديد قروض إعادة الخصم المسحوبة قبل 25 مايو (أيار) الحالي، والمستحقة لغاية 31 يوليو (تموز) المقبل، على التصدير وخدمات عائدات النقد الأجنبي.

ورأى نائب رئيس الوزراء التركي، محمد شيمشك، أن تراجع سعر العملة الوطنية أمام الدولار لا يقتصر على تركيا فقط، حيث أشار إلى وجود ثلاثة عوامل خارجية هامة تؤثر سلباً على الاقتصادات الصاعدة، موضحاً، في حديث لقناة "إن تي في"، الجمعة، أن العوامل الثلاثة هي ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل في الولايات المتحدة بشكل سريع، وزيادة أسعار النفط، وتصاعد قيمة الدولار أمام كافة العملات الأخرى