مقاتلون من جيش خالد بن الوليد في جنوب سوريا.(أرشيف)
مقاتلون من جيش خالد بن الوليد في جنوب سوريا.(أرشيف)
الإثنين 4 يونيو 2018 / 21:30

روسيا تضمن النظام وإيران وإسرائيل في الجنوب

ما يعزز التشاؤم أيضاً أن كل الأعداء اتفقوا على تصفية جيب المعارضة في الجنوب، حتى إيران تبدو موافقة على الضمانات الروسية التي قد تخفف ضغط إسرائيل عليها

في كل ما تداولته الصحافة عن المنطقة الجنوبية في سوريا، وما تبقى من "الجيش الحر" فيها، لا يأتي الحديث على "جيش خالد بن الوليد" الداعشي إلا عرضاً. بينما ملأ الحديث عن إيران وميليشياتها كامل مساحة القلق الإسرائيلي – الأمريكي – الأردني، على لسان روسيا، باعتبارها الأخت الكبرى لكل هؤلاء، وضمناً للنظام الأسدي الذي لم يعد لكلامه، أو فعله، وزن، حتى لو "اشترط" وليد المعلم، بما تبقى له من اعتبار كونه وزيراً للخارجية، أن تنسحب أمريكا من قاعدة التنف قبل تنفيذ اتفاق انسحاب إيران والميليشيات من درعا، في مقابل تهجير مقاتلي الفصائل المعارضة إلى شمالي ريف حلب.

وفي النقطة الأخيرة، قد نجد سبب استثناء ريف درعا من استقبال المهجرين من ريف دمشق والقلمون، من دون أن نتطرق إلى مهجري حمص وريفها إلى إدلب وريف وحلب، كون حمص وما يليها أقرب إلى حلب. والسبب قد يبدو للوهلة الأولى جغرافياً، لناحية القرب والبعد، لكنه إسرائيلي بامتياز. ولو حدث أن اتجهت موجات التهجير السابقة نحو درعا لتورطت إسرائيل، ومثلها الأردن، في استقبال قنبلة ديموغرافية معززة بسلاح المقاتلين، وبما يشبه غزة بالنسبة إلى إسرائيل. وعندها، ربما يكون تواجد إيران والميليشيات أقل ضرراً على إسرائيل، التي لا تقلق الآن سوى من مستقبل خطر صواريخ إسرائيل على ما وراء حدودها الشمالية.

لكن العودة إلى تاريخ "استقلال" قرار المنطقة الجنوبية عن باقي فصائل "الجيش الحر" منذ منتصف 2013، والتزامها في الوقت نفسه بما تأمر به غرفة المخابرات الكبرى (موك)، تضع المتغيران الإيراني، والداعشي، في المنطقة في مقامهما، وتجعل كافة الثوابت مترابطة، فالنظام ثابت، ومعه إيران والميليشيات، بالقدر نفسه الذي تبدو فيه المخابرات الأردنية الناطقة الرسمية باسم الأطراف غير المعلنة في التنسيق، أي أميركا، وإسرائيل، ثابتة في خوفها من الفصائل، وإن كان المعلن هو الخوف من داعش، بما هو. لكن "جيش خالد بن الوليد" آمن في مكانه، على الرغم من اشتراط (موك) أن السلاح الذي تدعم به الفصائل مخصص لقتال داعش فقط.

ففصائل درعا، والجنوب، لم تقاتل "جيش خالد بن الوليد"، إلا في حالات متباعدة تحرش فيها هذا الجيش بالفصائل، لتعود خطوط الاشتباك إلى هدوئها بعد ساعات من التحرش. وظلت ذريعة انسحاب هذه الفصائل من مساندة داريا قبل سيطرة النظام عليها، ومن مساندة "التل"، ومن مساندة الزبداني والقلمون، في مراحل متتابعة خلال السنوات الماضية، ظلت ذريعة، وبقيت خطوط الجبهات مع النظام، ومع داعش، ثابتة كهدنة صامدة تلتزم بها جميع الأطراف دون أن يعلن أحد وجود هكذا هدنة.

ولا يقلل من تشاؤم هذا التحليل إعلان فصائل في "الجيش الحر"، الأحد، "الصمود ومواجهة النظام"، بعد اجتماع عقدته في درعا، والإعلان في وقت سابق أن الفصائل شكلت ما يسمى "جيش الإنقاذ" لمواجهة أي عمل عسكري يقوم به النظام في درعا.

قرار الصمود هذا جربه المتابعون، في حلب والزبداني وداريا والتل والقصير والقلمون وحمص، لكن رئيس "مجلس حوران الثوري"، الدكتور محمد الزعبي، قال إن من حضروا الاجتماع اختاروا "قرار الصمود والمقاومة"، ودعا الأهالي إلى الوقوف بجانبهم ودعم قرارهم.

وقرار الصمود هذا يتناسى أن الثور الأبيض أُكل يوم استعاد النظام السيطرة على حلب قبل عام ونصف عام، ويوم دمر النظام الغوطة الشرقية وهجر "جيش الإسلام" وفصائل معارضة أخرى منها، قبل أسابيع، فلماذا سينجو الثور الأسود في درعا القنيطرة اليوم من مصير مشابه؟

ما يعزز التشاؤم أيضاً أن كل الأعداء اتفقوا على تصفية جيب المعارضة في الجنوب، حتى إيران تبدو موافقة على الضمانات الروسية التي قد تخفف ضغط إسرائيل عليها. فالخارجية الروسية تؤكد أنها مسألة وقت فقط قبل عقد اجتماع بين روسيا وأمريكا والأردن لبحث مستقبل منطقة "خفض التصعيد" في درعا والقنيطرة، بعد تحذير أمريكي مسبق باتخاذ "إجراءات حازمة" في حال خرق الاتفاق الوشيك.

وفي حال حصل الاتفاق، الذي لمَّح قادة في "الحر" إلى وجوب أن يكون "منطقياً"، فهذا يعني أن التهجير إلى شمال حلب مستبعد، ويعني أن يكون الاتفاق بضمانة أردنية من حيث الشكل، وبما يحقق الشروط الإسرائيلية - الأمريكية – الأسدية، معاً، وبحيث تضمن روسيا إبعاد إيران من المنطقة.

هذا سيريح إسرائيل، التي سيبقى طيرانها في المجال الجوي السوري للتأكد من أن صواريخ إيران لا تشكل خطراً عليها. أما "المنطقي" فهو أن لا يتم تهجير الفصائل إلى الشمال، وتنجو المنطقة من احتمال إحلال سكاني، كما قد يحدث في محيط دمشق، وحمص.

وغير بعيد من مفردات المنطقة الجنوبية التي قد تتحول إلى نص هدنة كامل، وربما عودة النظام إلى معبر نصيب بين سوريا والأردن، دون ما يدل على وجود نية أمريكية للانسحاب من التنف حسب طلب المعلم، هنالك إدلب التي تلتزم من جانب الفصائل المحلية والمهجرة بهدنة "أستانة"، ما وراء خطي قطار حلب – دمشق، وحلب – اللاذقية، بضمانة 12 نقطة مراقبة تركية داخل المنطقة، وما يماثلها أو تزيد من نقاط المراقبة الروسية الإيرانية المشتركة. فعلى حدود هذه المنطقة، انتهك النظام خطوط الهدنة باستعادة السيطرة على مطار "أبو الظهور العسكري" قبل شهور (نهايات يناير الماضي)، ما يؤشر إلى تراجع أي فعل للفصائل على الأرض، أو في السياسة، داخل أروقة أستانة، حتى لو احتسبنا "جبهة النصرة" فصيلاً معارضاً، كون "الجبهة" معارضة للنظام، وللثورة معاً.