تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الإثنين 2 يوليو 2018 / 18:44

القانون والطب والهندسة... والدين

لم أذنب حين لجأت عند التداعي إلى المحامي، وعند التداوي إلى الطبيب، وعند البنيان إلى المهندس، لكنني سأظل مسؤولاً في أمر الله ونهيه رغم أنني لجأت إلى شخص ادعى أنه المختص ببيان أمر الله ونهيه

يبرّر رجال الكهنوت بناء الأسلاك الشائكة حول فهم الدين، وفرض حظر التفكّر في شؤونه، بقولهم إن الدين تخصصٌ كالتخصصات الأخرى، كالقانون والطب والهندسة، وكما لا يمكن اللجوء عند التداعي إلى غير المحامين، ولا يمكن اللجوء عند التداوي إلى غير الأطباء، ولا يمكن اللجوء عند تشييد المباني إلى غير المهندسين، فلا يمكن اللجوء في فهم الدين إلى غير رجال الدين.

وسيف التخصّص الذي يُشهر في وجه كل من يدعو إلى اعتبار الدين مسألة شخصية، ويدعو إلى حرية إعمال الفكر والنظر والبحث فيه، سيف بلاستيكي ولعب أطفال، والأسباب كثيرة، وفي السطور التالية سيكون الكلام حول سبب واحد منها، وهو الفارق بين المسؤولية الأخروية التي تترتب على المرء عند لجوئه في القانون والطب والهندسة إلى المختص، وبين لجوئه في الدين إلى من يصف نفسه بـ"المختص".

فحين أهرع بآلام جسدي إلى عند المختص الطبي، فإنني لا أتحمل أي مسؤولية من أي نوع إذا التزمت بالعلاج الذي وصفه لي، ولو ارتكب المختص خطئاً عمدياً أو غير عمدي أدى إلى تدهور حالتي، فهو وحده الذي يتحمل وزر ذلك أمام الله، ولن أحاسب على تضييع صحتي على يد شخص مختص.

وحين أحمل أوراقي إلى عند المختص القانوني، فإنني أيضاً لا أتحمل أي مسؤولية من أي نوع، فما دمت كنت أعتقد أنني محقٌ في ادعائي، وسلكت مسلكاً شريفاً لاقتضاء حقي، فالمختص القانوني وحده الذي يتحمل تبعات توجيهاته لي، فإن كان قد اتخذ أساليب الغش، فهو المحاسب عنه.

وهكذا الأمر مع المختص في هندسة البناء، هو وحده الذي يتحمل المسؤولية إذا ما تصدع البناء وانهار بسبب أخطاء في التصميم، وإذا كان هناك جزاء على ذلك في العالم الأخروي، فالمختص الذي لجأت إليه هو الذي سيتحمله.

فهل الأمر هكذا في الدين الذي يتحدد مصير الإنسان في العالم الآخر بالالتزام بأوامره وبالابتعاد عن نواهيه؟! أعني هل يمكنني أن أبرئ نفسي أمام الله غداً بالقول إنني في التزام أوامره وتجنّب نواهيه لجأت إلى المختص، وأنني لن أتحمل وزر أي أمر التزمت به، أو وزر أي نهي تجنبته بناء على كلام ذلك الشخص؟!

وبصيغة أخرى، أنا سلّمت عقلي وقلبي للمختص في أمر الدين، ومنعت نفسي من التفكير فيما يقول، لأنه مختص، فهل هذا يعفيني يوم القيامة من وزر أقوالي وأفعالي التي التزمت فيها بقوله؟! هل مقولة "حطها في راس عالم واطلع منها سالم" ستحول دون محاسبتي عن أعمالي التي استندت فيها إلى قول ذلك العالم؟!

وخلاصة هذا كله أنني لم أذنب حين لجأت عند التداعي إلى المحامي، وعند التداوي إلى الطبيب، وعند البنيان إلى المهندس، لكنني سأظل مسؤولاً في أمر الله ونهيه رغم أنني لجأت إلى شخص ادعى أنه المختص ببيان أمر الله ونهيه، ومن يقول إنني لن أكون مسؤولاً لأنني سلمت ملف مصيري الأخروي بيد شخص آخر غيري، فليأتِ بأي دليل على ذلك من قرآن أو حديث أو حجة عقلية.