إيرانية تمر برسم لعلم بلادها في طهران.(أرشيف)
إيرانية تمر برسم لعلم بلادها في طهران.(أرشيف)
الأربعاء 8 أغسطس 2018 / 19:27

إيران: الممكن والمرجّح

السلطة، في سقوطها كما في استمرارها المهتزّ والضعيف، ستفقد أنيابها الخارجيّة. ذاك أنّ العقوبات ستحرمها القدرة على تمويل أطراف كحزب الله اللبنانيّ والميليشيات العراقيّة والأفغانيّة وسواها

العقوبات الأمريكيّة القاسية على إيران، والتي يُفترض أن تتبعها موجة أخرى أقسى وأشدّ في نهاية هذا العام، تضعنا أمام تحليلين رائجين إلى هذا الحدّ أو ذاك، وإن متناقضين جزئيّاً:

أحدهما يقول إنّ النظام الخمينيّ في طهران باشر تداعيه الذي سينتهي به إلى سقوط محتّم. فإيران، لا سيّما بعدما خيّر دونالد ترامب دول العالم بين التجارة مع بلاده وبينها، ستكون عمليّاً ممنوعة من التعامل التجاريّ مع سائر العالم. فإذا أضفنا ندرة السلع المتوفّرة وانهيار عملة الريال وصراع الأجنحة الحاكمة والتحرّكات الشعبيّة المتنامية في المدن، أمكن الوصول إلى مثل هذا الاستنتاج بسهولة.

بطبيعة الحال، سوف تتكاثر محاولات التحايل على القرار الأمريكيّ الصارم، على نحو يذكّر بالسنوات الأخيرة لعهد صدّام حسين في العراق، لكنّ محاولات كهذه قد تستطيع تأجيل لحظة الانهيار قليلاً، أو إسباغ بعض "اللطف" على طريقة الانهيار، من دون أن تتمكّن من إنقاذ النظام.

أمّا التحليل الثاني فيقول، مستعيناً أيضاً بتجربة الحصار الذي تعرّض له العراق في أواخر عهد صدّام، إنّ الإفقار الذي سينزل بالإيرانيّين سيقوّي قبضة النظام عليهم لسبب بسيط: ذاك أنّ الدولة، والحال هذه، ستمارس نوعاً من الاحتكار المحكم لكلّ الموارد القليلة المتبقّية. وهذا يعني أنّ المواطنين سيكونون مضطرّين، في آخر المطاف، للعودة إليها من أجل الحصول على أبسط احتياجاتهم في العمل والغذاء والصحّة والتعليم... وقد يضاف شيء من النعرة القوميّة التي يحرّكها النظام بما يخلق سبباً آخر للتضافر حوله بذريعة "الهجمة الاستكباريّة الغريبة ضدّ الكرامة الوطنيّة". وسيناريو كهذا لا يستبعد ظهور الاحتجاجات، أو الاتّساع الجزئيّ لبعضها ممّا هو قائم الآن، إلاّ أنّه يجزم بقدرة السلطة على التعامل معها وإخمادها بالقمع، وفي الوقت نفسه تغليب الطرف الأكثر راديكاليّة داخل السلطة، أي الحرس الثوريّ، وإسكات الموصوفين بالاعتدال ممّن يتزعّمهم الرئيس حسن روحاني. وهنا يستعان بما حدث إبّان الحرب العراقيّة – الإيرانيّة في الثمانينات، حين استطاعت السلطة الخمينيّة أن توطّد نفسها وتتغلّب على تناقضاتها، فضلاً عن التغلّب على خصومها، بوصفها متماهية مع الأمّة وكرامتها ومصالحها في آن واحد.

كلّ من التحليلين ممكن الحدوث، ولسوف يكون مبكراً الجزم بأنّ أيّاً منهما سيُكتب له الانتصار. وهذا علماً بأنّ السيناريوين الاثنين لا يستبعدان احتمال حروب أهليّة تنفجر في الأطراف، بعيداً نسبيّاً عن المركز في طهران.

شيء واحد يبقى شبه مؤكّد هو أنّ السلطة، في سقوطها كما في استمرارها المهتزّ والضعيف، ستفقد أنيابها الخارجيّة. ذاك أنّ العقوبات ستحرمها القدرة على تمويل أطراف كحزب الله اللبنانيّ والميليشيات العراقيّة والأفغانيّة وسواها. وهنا نتحدّث عن أكلاف مادّيّة ضخّمها كثيراً التورّط العسكريّ للجماعات المذكورة في الحرب السوريّة. وهذا قد يعني نوعاً آخر من الفوضى كأنْ تضطرّ تلك القوى إلى تأمين أودها عبر فرض "ضرائب" و"ريوع" على اقتصادات بلدانها، كما في حالة لبنان، أو عبر زيادة النهب الذي يوفّر هذه الحاجات للناهب، كما في حالة العراق. إلاّ أنّ "شرّ" هذا التطوّر سيسير في موازاة "خير" التطوّر الآخر المتمثّل بنهاية الدور الإقليميّ لإيران الخمينيّة. وهذا ما سوف يضع المنطقة أمام وضع جديد نوعيّاً وأمام أسئلة كبرى قد يتفرّغ العقد المقبل لمحاولة الإجابة عنها.