دروز يشاركون في تظاهرة مناهضة لقانون الدولة القومية في إسرائيل.(أرشيف)
دروز يشاركون في تظاهرة مناهضة لقانون الدولة القومية في إسرائيل.(أرشيف)
الخميس 9 أغسطس 2018 / 19:44

مظاهرة السبت العابرة للطوائف

"مظاهرة الدروز"، كما يسميها الإعلام الإسرائيلي، لم تكن ضد "قانون قومية الدولة" تماماً، بقدر ما كانت خليطاً مشوشاً من محاولة الحصول على "استثناء طائفي" مقابل "خدمات" ذات طابع معين، محاولة للتذكير بـ "الاتفاق" الذي أبرم في العام 1956

يوم السبت الحادي عشر من أغسطس (آب) 2018، سيخرج الفلسطينيون في مناطق الـ 48 في مظاهرة ضد "قانون قومية الدولة" الذي أقره الكينيست الاسرائيلي مؤخراً.

المظاهرة تأتي في سياق متصاعد شمل معظم القوى والفعاليات الفلسطينية في الداخل بهدف اسقاط القانون الذي يضع الوجود الفلسطيني أمام تهديد الترانسفير والترحيل، ويشكل بنية تحتية ملائمة ومظلة حماية "قانونية" للممارسات العنصرية القائمة منذ انشاء "الدولة"، وتلك التي تنتظر في ملفات اليمين اليهودي الفاشي الذي يحكم إسرائيل.

مواجهة "القانون" هي في جوهرها استعادة مثالية لصراع الشعب الفلسطيني مع الصهيونية العنصرية، صراع يشمل الوجود، الهوية والثقافة والأرض، صراع مكشوف تماماً على المستقبل. لهذا أخذت الدعوات في الضفة الغربية وغزة ومناطق اللجوء والشتات للتحرك بموازاة احتجاجات الداخل قوة البحث عن وحدة الشعب، وقوة تجاوز الجسم الرسمي الفلسطيني الغارق في غيبوبته، والنخب السياسية التي تدور في فلكه الغارقة في وله "السلطة" وتسييج "ملكيتها" الهشة على الأرض. ولم تنقذها الإدانات الباهتة التي صدرت عن مؤسسات السلطة وحكومة حماس في غزة، هناك واحدة وردت في بيان الاجتماع اليتيم للجنة التنفيذية الجديدة لمنظمة التحرير.

هذا التماهي البائس مع التقسيم الجغرافي لنتائج الاحتلال الإسرائيلي، وتحويل الضفة الغربية أو غزة الى "طائفة" وتجاهل تجمعات اللجوء والشتات، لن ينتج برنامجاً وطنياً ولن يؤدي إلى سياسات وطنية.

مظاهرة السبت تأتي بعد مظاهرة جرت في تل أبيب قبل أيام بدعوة من وجهاء "الطائفة" الدرزية الفلسطينية، كانت مظاهرة كبيرة تراوح المشاركون فيها بين خمسين الفا، حسب رواية الاعلام الاسرائيلي، و"100" الف، حسب المنظمين.

"مظاهرة الدروز"، كما يسميها الإعلام الإسرائيلي، لم تكن ضد "قانون قومية الدولة" تماماً، بقدر ما كانت خليطاً مشوشاً من محاولة الحصول على "استثناء طائفي" مقابل "خدمات" ذات طابع معين، محاولة للتذكير بـ "الاتفاق" الذي أبرم في العام 1956 بين بعض زعماء الطائفة والحكم العسكري الإسرائيلي، استثناء ينطلق من فكرة وروح "قانون القومية" نفسه، يطالب بتصنيف أفضل في سلم العنصرية الاسرائيلية. لذلك سعى المنظمون أن تكتسب الصفة الطائفية، وحافظت على مسافة بينها وبين مكونات الأقلية العربية في "إسرائيل". وهو ما منحها شكل "التظلم" و"الشكوى" و"خيبة الأمل"، بحيث طغت فيها جمل من نوع "اذهبوا إلى مقابر الجيش" حيث دفنا أولادنا، لقد قدمنا لكم الخدمة المطلوبة حسب "الاتفاق" ولكنكم قمتم بخديعتنا، ".. بعد كل ما قدمناه.. ألقونا للكلاب" وأشياء كثيرة من هذا القبيل. المظاهرة التي قادها "وجهاء" الطائفة واصلت فكرة "نحن نختلف عن الآخرين"، لقد خدمنا في "جيش الدولة" وخضنا "حروب إسرائيل"، وأطلقنا النار على الأطفال والشبان في الضفة الغربية وغزة، وشاركنا في الحواجز على طرق القرى... تقريباً قمنا بكل المهام المطلوبة، وها نحن نتظاهر ونحن نرفع أعلام الدولة جنباً إلى جنب مع راية الطائفة...

بينما بموازاة ذلك كان وجهاء من الطائفة، من بينهم رؤساء بلديات وضباط وجنرال غاضب، يجتمعون في مكتب "نتانياهو" ويضعون "خيبة أملهم" وشعورهم بالخذلان والمرارة على طاولة الاجتماع، ويقلبون "حزمة الامتيازات الجديدة" التي يحاول "عراب القانون" رشوتهم بها.

في الاجتماع سيقول الجنرال المحبط "أمل أسعد": "لا نبحث عن رزمة خدمات جديدة.. نريد أن نشعر أننا جزء من الدولة". وسيخرج "نتانياهو" غاضباً من الاجتماع ثم ستظهر صورة له وهو يحتضن الزعيم الروحي للطائفة الشيخ "موفق طريف".

الاحتجاج "الدرزي" الذي قاده "الاتجاه التقليدي" في الطائفة وشريحة من المستفيدين والضباط الكبار، رغم الغضب الذي ظهرت به ردات فعلهم، يشبه إلى حد كبير "إدانات" السلطة الفلسطينية وحماس، وهو في أفضل حالاته محاولة للدفاع عن "الاتفاق" ومروجيه والمدافعين عنه، واستباق "المحاسبة"، محاسبة تاريخية تتقدم من كل اتجاه.  

ثمة جدل حول مظاهرة السبت التي ستشارك فيها، حسب الدعوة، مختلف القوى والفعاليات الفلسطينية في مناطق الـ 48، بمن فيهم بالطبع أبناء الطائفة الدرزية والاتجاه الوطني الرافض لعزل الطائفة عن محيطها العربي، كما أن هناك دعوات للفلسطينيين في الضفة وغزة والشتات للمشاركة بفعاليات موازية، جدل في التفاصيل حول أي ساحة سيختارها المتظاهرون، وحول رفع الأعلام الفلسطينية ودعوة المعارضين للقانون من اليسار اليهودي، جدل ينبغي ألا يؤثر على المشاركة، إذ إن هزيمة "القانون" الأكثر عنصرية والأشد خطورة على الهوية الوطنية الفلسطينية، تبدو مظلة ضرورية للبحث عن أوسع ائتلاف ممكن لتكثيف الحشد وتوسيع جبهة الاحتجاج وتطويره.