الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم.(أرشيف)
الخميس 30 أغسطس 2018 / 12:57

قطر وتركيا.. الحليفان السامان لأمريكا في الخليج!

أكّد ريتشارد مينيتر، كاتب سياسي ومدير المعهد الأمريكي للإعلام، أنّ لدى أمريكا اليوم مشاكل مع حلفائها أكبر من تلك التي تواجهها مع أعدائها. ودعا قراءه في معهد "غايتستون إنستيتيوت" الأمريكي إلى مراقبة القضيتين الغريبتين لحليفتي واشنطن المفترضتين: تركيا وقطر. فهما تستضيفان قواعد عسكرية أمريكية فيما تدعمان الأحزاب الإسلاموية وتتقربان بشكل متزايد من إيران وتخرّبان سياسات واشنطن إقليمياً.

سيكون على إدارة ترامب أن تقرر أياً من الحلفاء ينبغي أن تدعمهم: السعودية ومصر ودول الخليج العربي أو قطر وتركيا اللتين تقربتا من إيران

بدأت تُطرح الأسئلة مع اعتقال القس الأمريكي أندرو برانسون الذي عاش في تركيا 23 سنة من دون التسبب بأي إشكال. فجأة، تم احتجاز برانسون وزوجته نورين كمتهمين بتدبير الانقلاب الفاشل. أطلق سراح نورين بعد 13 يوماً بدون توجيه اتهامات إليها. بقي برانسون محتجزاً منذ سنة 2016 قبل أن تظهر الاتهامات أخيراً وهي متعددة وغير قابلة للتصديق مثل كونه جزءاً من مؤامرة دبرتها وكالة المخابرات المركزية بإيحاء مورموني للإطاحة بالحكومة التركية. لكنّ برانسون لا ينتمي أساساً لكنيسة المورمون ولا تربطه صلة بالوكالة. لو ثبّت القضاء التركي التهم عليه فسيواجه عقوبة بالسجن تصل إلى 35 سنة.

كشفت تركيا عن نواياها الحقيقية حين عرضت تبادل برانسون بالداعية فتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بالوقوف خلف الانقلاب الفاشل في يوليو (تموز) 2016. يؤكد معارضون أنّه تمت فبركة "الانقلاب" لإعطاء الحكومة الإسلاموية غطاء من أجل تطهير الضباط العلمانيين البارزين من الجيش إضافة إلى السياسيين والصحافيين المعارضين. تتحرك تركيا اليوم أكثر باتجاه نموذج إسلاموي أكثر صداقة مع الديكتاتورية الإسلاموية في إيران وأقل صداقة مع الاتحاد الأوروبي. أصبح برانسون بيدقاً في لعبة شطرنج أكبر.

بوجود قطر وتركيا كأصدقاء 
دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علناً لإطلاق سراح برانسون بينما رفض تسليم غولن الذي يعيش في بنسلفانيا بشكل قانوني إلى نظام قضائي أجنبي من المرجح ألا يمنحه محاكمة عادلة.

اعتمد ترامب على العقوبات الاقتصادية لتحرير القس الأمريكي المسجون. أثرت هذه العقوبات كثيراً في الاقتصاد التركي المنهك لكنّها لم تضعف القرار التركي. تراجعت الليرة 40% أمام الدولار هذه السنة وتباطأ الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا في الفترة نفسها. رفضت الحكومة التركية إطلاق سراح برانسون وصعّدت موقفها مع مطالبة أردوغان أتباعه بمقاطعة أجهزة آي فون وغيرها من المنتجات الأمريكية الإلكترونية البارزة.

تركيا هي حليف لأمريكا في الناتو وثاني أكبر مساهم في عدد الجنود داخل الحلف الأطلسي الحيوي. وتضم أيضاً قواعد عسكرية أمريكية من بينها إنجرليك وينتشر فيها 5000 طيار أمريكي. مع تصاعد العقوبات الأمريكية تدخلت قطر، حليف آخر لأمريكا. تعهد الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني باستثمار 15 مليار دولار في الاقتصاد التركي خلال زيارة أجراها إلى تركيا مؤخراً وأعلن على الملأ أنّ هدف الاستثمارات هو تخفيف قوة العقوبات الأمريكية. وأشار كاتب المقال إلى المثل الأمريكي الذي يقول: بوجود أصدقاء كهؤلاء، من يحتاج إلى أعداء؟

تمول من تقصفهم أمريكا انطلاقاً من أراضيها
أضاف مينيتر أنّ قطر، الحليف المفترض لأمريكا تستحق تدقيقاً أكثر في سلوكها. هي تستضيف قاعدة العديد التي تنطلق منها المقاتلات الأمريكية لقصف عناصر طالبان وداعش والقاعدة. ومع ذلك، تمول قطر هذه المجموعات نفسها مثل النصرة التي تشكل فرعاً للقاعدة في سوريا. لقد مولت زعماء طالبان قبل هجمات 11 سبتمبر ودفعت حوالي مليار دولار لإرهابيين مدعومين من إيران كأموال فدية لرهائن احتُجزوا في العراق وسوريا. وتمول قطر مجموعات أخرى تقتل الأمريكيين فأعلن الأمير القطري علناً وبفخر دعمه المالي لحماس التي صنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على لوائح الإرهاب.

تمول الإخوان: بوابة المنظمات الجهادية
دعا مينيتر قراءه إلى تذكّر أنّ قطر تعطي مئات الملايين من الدولارات إلى الإخوان المسلمين الذين يشكلون بوابة إلى جميع المنظمات الجهادية السنية الإرهابية تقريباً في الشرق الأوسط. بدأ زعيم القاعدة أيمن الظواهري رحلة التطرف الخاصة به في الإخوان المسلمين داخل مصر، كما فعل مدبر هجمات 11 سبتمبر خالد شيخ محمد في فرع التنظيم داخل الكويت. وتم غسل دماغ أبي مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق على يد فرع إخواني في الأردن. ورحب الأمير القطري أيضاً بداعية الإخوان يوسف القرضاوي حين انتقل للعيش في قطر، وكذلك بعدد من زعماء بارزين في حركة حماس. وتعطي شبكة الجزيرة الهواء لتشريع وجهات نظرهم القاتلة.

قرصنة رسائل مواطنين أمريكيين
يضاف إلى ذلك الاتهامات التي وجهها مؤخراً مواطنون أمريكيون (من بينهم المسؤول السابق في اللجنة المالية الجمهورية إليوت برويدي) إلى قطر حول قرصنتها رسائلهم الإلكترونية ونشرها مع صحافيين وفقاً لدعاوى رُفعت في محاكم أمريكية. ومولت قطر مجموعات ورجال ضغط كثر (تقاضى بعضهم 100 ألف دولار شهرياً) وهم مقربون من رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ومن أبرز سيناتور ديموقراطي فيها. ووفقاً لوكالة رويترز، تلقى نك ميوزن، نائب رئيس شؤون الموظفين في مكتب السيناتور تيد كروز، 300 ألف دولار شهرياً من قطر.

أنهار من الأموال القطرية لإيران
وتقربت الدوحة من إيران، أكبر عدو إقليمي لأمريكا. تتقاسم معها حقل فارس الضخم لإنتاج الغاز وتؤمّن أنهاراً من الأموال للدولة نفسها التي تشك أمريكا في أنها تبني أسلحة نووية وصواريخ طويلة المدى لتطلقها ضد القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط وأوروبا. وكتب النائب الأمريكي وعضو لجنة الخدمات المالية ولجنتها الفرعية لمكافحة الإرهاب والتمويل غير الشرعي تيد باد أشار فيه إلى أنّ إيران تستمر بدعم حزب الله مالياً بمئة إلى 250 ألف دولار سنوياً الأمر الذي يفرض تهديداً مباشراً على مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة.

توضح المسار
مع أخذ جميع هذه المؤشرات، يصبح المسار واضحاً. بعيداً عن أن تكون داعمة أمينة للسياسة الأمريكية، تستخدم قطر كل وسيلة لتدميرها أو تغييرها. إنّ صفعة تمويل تركيا فيما تحتجز الأخيرة مواطناً أمريكياً هناك، هي المثل الأخير عن سلوك قطر التي يفترض أن تكون حليفاً لأمريكا. لدى إدارة ترامب رأيان عن قطر بشكل يثير الاستغراب. تحدث وزير الخزانة ستيف منوخين بإيجابية عن قطر وكذلك وزارة الخارجية في عهد تيليرسون. والرئيس ترامب نفسه لم يقدم نظرة متناسقة حول قطر.

كلفة عدم اتخاذ قرار  
في نهاية المطاف، سيكون على إدارة ترامب أن تقرر أياً من الحلفاء ينبغي أن تدعمهم: السعودية ومصر ودول الخليج العربي أو قطر وتركيا اللتين تقربتا من إيران. وتساءل الكاتب عن سبب عدم قيام واشنطن بتوسيع الانتشار العسكري الأمريكي في قاعدة الظفرة الإماراتية بحيث تكون بديلاً لقواعدها في قطر وتركيا إذا قبلت الإمارات بالفكرة. إنّ إعادة ضبط العلاقة مع قطر لن تكون سهلة أو مجانية. تحتفظ واشنطن بوجود عسكري ضخم في العديد كما أنّ استثمارات قطر في الاقتصاد الأمريكي تقاس بالمليارات. هنالك خيارات صعبة تلوح في الأفق. لكن على الرغم من ذلك سيكون عدم القيام بأي شيء مكلفاً أكثر.

إذا تمكنت الدولة من تقويض سياسة الولايات المتحدة فيما تستمر بكسب المنافع من الصداقة معها، فقد تتبعها دول أخرى. وتساءل مينيتر في ختام مقاله عن حقيقة ومعنى أن تكون دولة ما حليفة للولايات المتحدة طالما أنّها ستحاول خداعها عبر سلوكها وسياستها.