الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 / 21:36

قراءات "أردوغانية" خاطئة.. بعيداً عن الـ "تَصْفِير"

كًل المعطيات على الساحة التّركية اليوم، خاصة في المجال الاقتصادي، تشير إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ـ البالغ من العمر 64 عاماً ـ يُقدم قراءات خاطئة ببذخ متخبط منقطع النظير.

لم يَسْتَفد هذا الأخير من تجارب الرؤساء الأتراك السابقين على مدى عقود، كما أنه لم يستفد من تجربته الرياضية ـ لاعب كرة قدم، شبه محترف، لمدة 13 عاماً في نادي قاسم باشا ــ في تقديره لما يحدث في الحاضر، وما سيأتي في المستقبل. فعمدة أسطنبول الأسبق لمدة أربع سنوات، ورئيس وزراء تركيا لمدة 11 عاماً، ورئيس حزب العدالة والتنمية(الإخواني)، والرئيس الفائز في الانتخابات الرئاسية المبكرة في نهاية يونيو الماضي، يدفع الآن ــ على خلفية التوتر في علاقة بلاده مع بعض من دول العالم، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ــ ثمن تقديراته الخاطئة، والتي قد تَنْتَهِي به إلى الخروج مدحوراً من المشهد السياسي، بعد المعاناة التي تواجهها بلاده.

لقد أدخل أردوغان تركيا على الصعيد الداخلي في حرب أهلية ـ خاصة بعد رد فعله على عملية الانقلاب الفاشلة ـ الأمر الذي أنهى مرحلة التلاحم المجتمعي المصحوبة بتفاؤل شعبي واسع وآمال كبرى للتغيير حيث الاعتقاد بالخروج ـ اعتماداً على مروّج له ـ من ضيق عَسْكَرة المجتمع إلى رحاب الديمقراطية، وأورث الشعب التركي كله الخوف من الغد المنتظر، والصدمة هنا كبيرة، فالخروج من العسكرة بدا عملية مقصودة للتيار الديني، وما تَبِعَ ذلك من تصدير لميراث الخلافة عبر" تَتْرِيكْ عًصْري"، يُعوَّلُ عليه بعض السفهاء في الوطن العربي والعالم الإسلامي كبديل عن الدولة الوطنية، وكمدخل حضاري بين قُوَّتيْن غير مُتَسَاوِيتين، لدرجة أن الوهم عَشْعَشَ لدى قوى مختلفة تدعي المقاومة من أن تحرير تركيا لفلسطين هو الرهان الحقيقي، خاصة بعد أن تحوَّلت الأراضي التركية إلى دار سلام للقوى المعادية لدولها، خاصة الجماعات الإرهابية.

لقد طرحت تركيا منذ عهد الرئيس عبد الله غول(رئيس تركيا الحادي عشر من 2007 حتى2014)، مفهوم تَصْفِير المشكلات مع دول الجوار (توجه بجعل تركيا في مستوى المشكلة صفر، بلا أي عداء وأزمات مع الخارج)، وكسب الأعداء أو تحييدهم، وتمتين العلاقات وتعميقها مع الدول الصديقة، وقد حققت بعض الخطوات في هذا المجال، لكنها اليوم بقيادة أردوغان أصبحت منبوذة من كل الدول، تخاف من عدوى مرضها، كأنها كما يقول الشاعر النابعة الذبياني: "إلى الناس مطليّ به القار أجرب"، ويستثنى من ذلك إيران وقطر وروسيا، وهي علاقات تكتيكية وليست استراتيجية، وعلاقتها الدائمة والملحمية مع إسرائيل، أما ما عدا ذلك فهي مرفوضة من الجميع.

تركيا اليوم بقيادة أردوغان شريك فاعل في بحور الدماء السورية، وداعم قوي للإرهاب في مصر، ودافع لمزيد من الكوارث في العراق، بل إن لها حضور دموي في ليبيا، ومتحالفة مع كل الدول المعادية للعرب، وعلاقتها متوترة مع دول الاتحاد الأوروبي، وعلى شفا الانهيار الكلي مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وبدل أن" تُصفَّر" تركيا المشكلات أصبحت مُصدِّرَة لها، والأكثر من ذلك تحولت إلى مشكلة، بل وفي أزمة سياسية واقتصادية، تؤرقها وتؤرق من حملها، وتكشف عن دخولها مرحلة جديدة، ترفض الشعارات والعبث السياسي المنبثق من فكر الجماعات الدينية وزعيمها الرئيس رجب طيب أردوغان، وما أظهر من خطأ قراءات الواقعين المحلي والدولي بلا جدال.