مركز لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم "أونروا".(أرشيف)
مركز لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم "أونروا".(أرشيف)
الخميس 6 سبتمبر 2018 / 20:07

حكاية الأونروا 2018

معالجة قضية الأونروا كقضية تمويل في الأساس يعني الهروب من معالجة جذر القضية في سياق معالجة لكل مكونات القضية الفلسطينية

عندما قررت الإدارة الأمريكية تخفيض مساهمتها في موازنة الأونروا، وبعد ذلك بأسابيع وقف الدعم نهائياً، ظهرت ردود أفعال عربية وإقليمية ودولية، متحفظة أو رافضة أو منددة بالقرار، مبينة الأثر الفادح المترتب عليه حين يجد ملايين اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم في وضع مأساوي، ويجد عشرات آلاف الموظفين بلا عمل، ومئات آلاف الطلبة بلا مدارس، فهذا يفضي وفق إجماع الباحثين إلى توسيع حالة عدم الاستقرار في العديد من الدول التي تستضيف أعداداً كبيرة منهم، ما لا يستبعد معه انبثاق ظواهر إرهابية في زمن يجلس موظفو ظاهرة الإرهاب خلف الأبواب والنوافذ انتظاراً لوضع من هذا النوع.

غير أن معالجة قضية الأونروا كقضية تمويل في الأساس تعني الهروب من معالجة جذر القضية في سياق معالجة لكل مكونات القضية الفلسطينية، التي توشك على إكمال قرن من الاستعصاء في الحل، مع غزارة في توليد ظواهر خطرة يعاني منها الشرق الأوسط أولاً وبصورة متفاوتة باقي العالم.

عندما أنشئت الأونروا في منتصف القرن الماضي، كان تقدير منشئيها أن حلاً للقضية الفلسطينية سيرى النور قبل أن يبلغ عدد اللاجئين مئات الآلاف. وصممت الأنروا وفق هذا الافتراض غير الواقعي، وصارت تتوسع مع توسع عدد اللاجئين الفلسطينيين بالتكاثر والنكبات، حتى صارت القضية الأكثر تعقيداً من مركب القضايا التي تجتمع لتشكل المعضلة الفلسطينية، وتجعل حلها أقرب إلى المستحيل.

قضية تمويل الأونروا التي هي الأسهل والأقرب إلى الحل، تبدو على كبرها وتعقيدها حبة مسكن لتخفيف ألم عضال انتظاراً لمستحيل اسمه الحل الجذري لقضية اللاجئين من خلال حل سياسي للقضية الفلسطينية.

والغريب في قضية الأونروا أن وقف التمويل الأمريكي وتعويضه من قبل دول أخرى جزئياً او كلياً، لا يرتبط بأي شكل برؤية دولية متفاهم عليها لحل هذه القضية من أساسها، وإذا كان العالم بصدد إيجاد حلول لظاهرة اللجوء التي انبتها الربيع العربي، خارج سياق التمويل فلم لا يعطى اهتماماً مماثلاً لظاهرة اللجوء الفلسطيني المرشحة لإنتاج ملايين اللاجئين الجدد كلما طال الزمن.

المشكلة هنا تكمن في العمق، أي بتعريف من هو اللاجئ ومتى تسقط عنه صفة اللجوء، أمريكا لها رؤية غير إنسانية وغير واقعية لظاهرة اللجوء الفلسطيني، فمن شبع ليس لاجئاً، ومن تعلم ليس لاجئاً، ومن اشترى بيتاً بمحاذاة مخيم أو بمحاذاة البيت الأبيض ليس لاجئاً، ومن أوصل أهله الليل بالنهار تعباً وحرماناً من أجل أن يحصل على شهادة جامعية فهو ليس لاجئاً، وحين ننتظر عشر سنوات إلى عشرين سنة حتى يموت من هجروا في العام 1948 تكون القضية قد انتهت، وحين يكون الفهم الأمريكي أهم وأعمق قضية إنسانية سياسية في العصر على هذا النحو، فعلينا أن ندرك أن الأمريكيين لم يثيروا قضية التمويل فحسب بل أشهروا مبضع الجراحة لتصفية الظاهرة وإنهاء وجودها.

قصر النظر الأمريكي في هذا الأمر يجعلهم يتخيلون أنهم ناجحون لا محالة في هذه المهمة الجراحية الاستئصالية، غير أن الواقع المعاش على الأرض يثبت كل يوم وكل ما ولد حفيد لاجئ بأن الأمريكيين زادوا الامر تعقيداً وهم يتخيلون أنهم يقدمون حلاً.