جرافة إسرائيلية في تجمع الخان الأحمر البدوي القريب من القدس (أرشيف)
جرافة إسرائيلية في تجمع الخان الأحمر البدوي القريب من القدس (أرشيف)
الثلاثاء 25 سبتمبر 2018 / 20:36

الخان الأحمر وإسرائيل والسلطة..

الخان الأحمر لا هو بالقرية ولا بحي من أحياء المدينة المجاورة أريحا، إنه عدة بيوت من الصفيح يقطنها بدوٌ يتعيشون على رعاية الماشية، وبعضهم يوظف جملاً بكامل الهندام المطرز ليمتطيه السياح ويتصورون إلى جانبه.

الجديد هو ما تحمله هذه الواقعة من دلالات تشترك فيها بيوت الصفيح مع بناء السلطة المهددة بالتفكيك، ويستحسن أن تفكك على يد أهلها مثلما طلب من سكان الخان الأحمر أن يفعلوا

عددهم قليل لا يشكلون أذىً يذكر على أمن الدولة العسكرية العظمى إسرائيل، ولم يقيموا بيوتهم السكنية، وحظائر مواشيهم على أرضٍ تخص دولة إسرائيل، هم هناك في ذلك المكان منذ الأزل، غير أن هاجس ترحيلهم لإبعادهم عن الطريق المؤدي الى المنشآت السياحية المقامة على الشاطئ الغربي للبحر الميت، ظل يراودهم ويقض مضاجعهم، وقد تسلموا إنذارات كثيرة بالاخلاء، ولكنهم تشبثوا ببيوتهم وحظائرهم ومراعيهم لعل قدرة ما من جهة ما تبقيهم حيث يقيمون.

آخر إنذار وجه لهم بالإخلاء كان في هذه الأيام، لكنهم تشبثوا بالبقاء، والتحق بهم متضامنون فلسطينيون وأجانب، ودارت حكايتهم على كل الألسن في عالمنا المكتظ بالهموم، والحروب، والدماء، والمصائر الغامضة، غير أن في إسرائيل من لا يهتم بالعالم وأخلاقه وانفعالاته، بل يعاقب ويصدر الأحكام ويسّرع تنفيذها، ولأن الجريمة ينبغي أن تغطى بعباءة قانونية، فقد أصدرت المحكمة العليا في إسرائيل حكماً يُجيز للجيش اقتلاع قرية الخان الأحمر، وتبديد بنيتها العشوائية الهشة.

وآخر ما حرّر في هذا الأمر، أن إسرائيل أبدت رأفة بالسكان إذ طلبت منهم أن يقتلعوا بيوتهم بأيديهم، فهذا أقل ضرراً من أن يتولى الجيش بجرافاته وجنازير دباباته، إبادة المكان.

هذا ليس بالأمر الجديد، فكثير من القرى الأكبر، والأصغر من الخان الأحمر، أبادتها الجرافات وألغتها من الوجود الاحتياجات العسكرية "لجيش الدفاع"، إلا أن الجديد الذي يلفت النظر هو ما تحمله هذه الواقعة من دلالات تشترك فيها بيوت الصفيح مع بناء السلطة المهددة بالتفكيك، ويستحسن أن تفكك على يد أهلها مثلما طُلب من سكان الخان الأحمر أن يفعلوا.

للصمود الشعبي وللتضامن الأخوي والصديق سقف تحدده قدرات القوة العسكرية الإسرائيلية على الإبادة، وما يحدث مع الخان الأحمر يحدث بطريقة أخرى مع السلطة التي هدد أصحابها ذات يوم بأن يفككوها أو يسلموا مفاتيحها للإسرائيليين الذين ومنذ اليوم الثاني لتوقيع اتفاقية أوسلو، خططوا ونفذوا لجعل السلطة بامكاناتها المحدودة للغاية نهاية الطريق وليست أوله.

هذه الصورة التي راودتني بعدما سمعت بدعة أن يقتلعوا بيوتهم بأنفسهم أثارت في مخيلتي مخاوف ليس على قرية أو مجموعة قرى، وإنما على حلم مشروع بوطن نعيش فيه ولا يتهددنا أحد بتفكيك بيوته، لو كانت من صفيح أو حجر أو اسمنت.

تملك إسرائيل القوة لتدمير قرية الخان الأحمر فالمتضامنون بالعشرات ولا يملكون إلا سلاح الاحتجاج، وتذكير العالم بالقيم الإنسانية المنسية تماماً في زمن معادلات القوة، غير أن أمراً واحدا يتجاهله الإسرائيليون عن عمد، هو أن الفلسطينيين الذين كانوا أقل من مليون نسمة حين احتلتهم إسرائيل يزيدون الآن في الدائرة الضيقة عن خمسة ملايين فماذا يدمرون إن قرروا ذلك، وبماذا يوقفون نمو الظاهرة الفلسطينية.

لقد فرضوا على أنفسهم وعلينا حربا تفصيلية عرفنا كيف بدأت، ولا أحد يعرف متى تتوقف، هذا إن توقفت.