الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الأربعاء 3 أكتوبر 2018 / 12:34

تركيا ضحية التحول إلى نظام الرجل القوي

24- زياد الأشقر

كتب الباحث فانس سيرجوك في مجلة "أتلانتيك" الأمريكية عن تدهور الوضع المالي لتركيا، مشيراً إلى أنه منذ ستة أشهر تقريباً، أصيب أحد أقوى الاقتصادات الناشئة في العالم بأزمة أثارت مخاوف من انتقال عدواها المالية إلى نطاق أوسع.

يتخيل الرجال الأقوياء أنفسهم كمنقذين وطنيين لا غنى عنهم. لكن في كثير من الأحيان يتحولون إلى قنابل موقوتة

فمنذ الربيع انكمشت العملة التركية وارتفع التضخم، مهدداً الأسواق الناشئة من الأرجنتين إلى أندونيسيا.

ومع ذلك، فإن التحذير الأهم الذي يمكن استخلاصه من التوترات الأخيرة في تركيا، هو أن المخاوف الاقتصادية هي أقل وطأة من المخاوف السياسية، وتحديداً الخطر الكامن في الرهان على حكم الرجل القوي.

والحقيقة، وفق رأي الكاتب فأن المخاوف على انصهار تركيا في الاقتصاد العالمي في غير محلها. فعلى عكس الأزمة المالية الآسيوية في آواخر التسعينيات، عندما أدى انهيار العملة التايلاندية إلى إطلاق العنان للإضطرابات الإقليمية، فإن مشاكل تركيا لا ترتبط بالضعف المنهجي في الاقتصادات الناشئة، بقدر ارتباطها بعوامل خاصة بأنقرة.

ويشمل ذلك السياسة النقدية الموجهة، وأعلى عجز في اقتصادات مجموعة العشرين، وأكبر ديون للقطاع الخاص في الخارج من أي سوق ناشئة أخرى، وصراع غير مبرر مع واشنطن أسفر عن عقوبات.

أنظمة الرجل القوي
ومع ذلك ورغم أن خطر تمدد الأزمة المالية إلى خارج تركيا أثار عاصفة من العناوين الرئيسية، إلا أن انتشار النموذج السياسي، هو السبب الرئيسي في مشاكل أنقرة، وهو الخطر الأكبر.

وفي الواقع فإن تركيا في ظل حكم أردوغان كانت في طليعة الاتجاهات العالمية. وفي الوقت الذي اجتاحت فيه موجة من الديمقراطية كوكب الأرض في منتصف السبعينيات، بقلب الديكتاتوريات من البرتغال إلى كوريا الجنوبية، وفي نهاية المطاف الإمبراطورية السوفياتية، شهدت الأعوام الخمسة عشر الأخيرة صعوداً في أنظمة تستند إلى الرجل القوي في العالم.

السلطة الجارفة
وأوضح أنه في كلٍ من هذه البلدان، باتت سلطة الحكومة شخصية جداً، تتركز إلى حد كبير حول حاكم واحد يحاول التحكم بكل نواحي الدولة والمجتمع تقريباً.

ويميل هؤلاء القادة وأنصارهم إلى تبرير تراكم السلطة الجارفة كطريقة وحيدة لدفع البلد إلى الأمام، الطريق إلى القوة الوطنية والتجديد. ومسّ الانتقال إلى سياسات الرجل القوي كل زاوية من زوايا الكرة الأرضية في السنوات الأخيرة، بصرف النظر عن الجغرافيا أو الثقافة.

وكان الإسلامي أردوغان من بين روادها، بدءاً من منتصف العقد الأول من القرن العشرين إلى جانب فلاديمير بوتين في روسيا، والراحل هوغو تشافيز في فنزويلا. ولكن اليوم يمتد تأثيره إلى أبعد من ذلك، من فيكتور أوربان في المجر، إلى رودريغو دوتيرتي في الفلبين.

تآكل الديمقراطية
وبطبيعة الحال، فإن صعود أنظمة الرجل القوي، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتآكل الديمقراطية على مدى الأعوام الـ15 الأخيرة. لكن تأثير نموذج الرجل القوي هو في الواقع أوسع من ذلك، ليس فقط لبثه الحياة في ديمقراطيات خادعة، ولكن أيضاً بسبب تشكيل حكومات استبدادية بلا خجل مثل الصين.

قنابل موقوتة
وعندما يستثمر عدد متزايد من البلدان آماله في شخصيات عوض المؤسسات، على أساس أنها سر النجاح، فإن الإضطرابات الحالية في أنقرة تصلح تذكيراً بالمكان الذي يقود إليه هذا النوع من الحكم.

يتخيل الرجال الأقوياء أنفسهم منقذين وطنيين لا غنىً عنهم. لكن في كثير من الأحيان يتحولون إلى قنابل موقوتة، ينفجرون في وجه الذين يفتقرون للحكمة بما يكفي ليراهنوا بمستقبلهم عليهم.