كتاب "الفريضة الغائبة" لمحمد عبد السلام فرج
كتاب "الفريضة الغائبة" لمحمد عبد السلام فرج
الثلاثاء 9 أكتوبر 2018 / 15:38

"الفريضة الغائبة".. دليل التنظيمات الإرهابية في التكفير والقتل

24 - القاهرة - عمرو النقيب

يعتبر كتاب "الفريضة الغائبة"، الذي خط سطوره محمد عبد السلام فرج، في فبراير(شباط) 1980، الركيزة الفكرية الأساسية للتنظيمات الجهادية، المسلحة فيما يتعلق بتكفير المجتمعات والحكام، وفرضية استخدام السلاح، باعتبار أنهم لم يطبقوا شرع الله.

"الفريضة الغائبة"، كان الضوء الأخضر لاغتيال الرئيس السادات، على يد تنظيم الجهاد المصري، وتأكيد هدف الحركات التكفيرية المسلحة في الوصول للحكم.

كان تيار الجهاد في مصر قبل كتاب عبد السلام فرج "الفريضة الغائبة" يعتمد على الكلام الشفهي الذي يتناقله التكفيريون، وكانوا يقومون من حين لآخر بتصوير أو طباعة كميات من بعض أجزاء كتب ابن تيمية، وابن كثير، وسيد قطب وغيرهم، للاستدلال على أفكارهم، إلى أن جاء عبد السلام فرج فجمع كل هذه الأفكار في كتابه.

انتقد عبد السلام فرج في كتابه، قاعدة "التغيير من أسفل"، وقاعدة "الفئة المؤمنة"، التي تعني الانتشار الأفقي للتنظيمات التكفيرية وأهدفها، عن طريق استقطاب العناصر الجديدة داخل المجتمعات، بهدف انتشار الأوسع للحركة الإسلامية وتغلغلها داخل مفاصل الدولة، وإقامة الخلافة الإسلامية.

بنى كتاب "الفريضة الغائبة"، تصوراته حول مفهوم "التغيير من أعلى"، وهو المواجهة المسلحة مع رموز الحكم، وفي مقدمتهم رأس الدولة، متهكماً على فكرة الانتظار لحين تكوين "فئة مؤمنة"، تستطيع اختراق مؤسسات الدولة للسيطرة على الحكم.

حاصر عبد السلام فرج في كتابه، قيادات الحركات الإسلامية واتباعهم، تحت عنوان "آراء وأهواء"، محاولاً الرد على مختلف التبريرات التي أطلقوها فيما يخص قرارتهم بتأجيل تطبيق الجهاد المسلح ضد الأنظمة الحاكمة، أو إعلان الخلافة الإسلامية، أو التهرب من إعلان تكفير الرؤساء والمجتمعات، تحت لافتات العمل الدعوي وطلب العلم.

ذهب كتاب "الفريضة الغائبة"، إلى أن القتال هو المواجهة والدم، وأن الجهاد فرض عين، ولا يجوز تعطيله أو تأجيله تحت أي مسمى، لأن ديار المسلمين أصبحت الآن ديار كفر وجب قتال أهلها.

أشار مؤلف "الفريضة الغائبة"، في وثيقته إلى أن أبناء الحركات الإسلامية، ترخصوا في ترك الجهاد المسلح، بحجة أن الأمة الإسلامية تعيش الآن في مرحلة المجتمع المكي، وأن هذه أفكار نمطية ممسوخة، لأن المسلمون مطالبون بما انتهى إليه الرسول(ص)، وليس بما بدأ به في مسيرته في إقامة الدولة الإسلامية.

هكذا سطر عبد السلام فرج، مخطوطته التكفيرية، التي كرست لمفاهيم الجهاد المسلح، وتكفير المسلمين، والخروج على الحكام، واعتبار أن ديارهم المسلمين الحالية هي ديار كفر يستحل دماء أهلها، وأنه لابد من إعلان الحرب عليها وتطهيرها من الطواغيت.

يزعم عبد السلام فرج، في وثيقته الباطلة، أن الإسلام انتشر بالسيف، وأن كل من يدعي غير ذلك كافر، لم يعرف للإسلام قوته، وأن الشرع رسخ لأولوية مواجهة العدو القريب (الأنظمة الحاكمة)، عن مواجهة العدو البعيد (أمريكا وأعوانها).

تطرق مؤلف "الفريضة الغائبة"، إلى ضرورة إقامة "الخلافة الإسلامية"، محاولاً توظيف آيات القران الكريم وفق منهجه ورؤيته الضالة في استنطاق النصوص الدينية، بما يخدم مصالح أعوانه، موضحاَ أن علماء المسلمين اجمعوا على ضرورة العودة للخلافة، وأن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية، ويقصد بها بيعة الخلافة.

قدم "الفريضة الغائبة"، مقارنة بين التتار وحكام المسلمين، من أن صفات التتار، تنطبق على حكام العصر، هم وحاشيتهم، وأنه ينطبق عليهم من أحكام ما ينطبق على التتار، متخذاً فتاوى ابن تيمية بحقهم مرشداً له في جميع الأحكام التي يطلقها.

تعمق "الفريضة الغائبة"، في قضية قتال الحكام المسلمين، على اعتبارهم صائلين معتدين على بلاد المسلمين في أنفسهم وأموالهم وحرمهم، وأنهم من شر البغاة، واصفاً إياهم بالمرتدين، الذين تربوا على موائد الاستعمار الصليبية، والصهيونية، وأنهم لا يحملون من الإسلام إلا الاسماء، وإن صلوا وصاموا وادعوا أنهم مسلم.

دعا مؤلف "الفريضة الغائبة"، جموع الحركات الإسلامية للتخلي عن فقه الدعوة، والتحول لكيانات مسلحة في مواجهة الأنظمة الحاكمة، باعتبارها كافرة من وجهة نظره، سعيا للخروج عليهم، واقتلاعهم من الحكم، وقتالهم، واستبدالهم بالنظام الإسلامي الكامل، وأن قتالهم أولى من قتال العدو البعيد.

وطرح مؤلف "الفريضة الغائب"، فكرة العمليات الانغماسية، وتنفيذ التفجيرات وسط المدنيين مستندا لفتوى مشايخ التكفير والقتل.

ولد محمد عبد السلام فرج، عام 1942 في قرية الدلنجات بمحافظة البحيرة، وتخرج في كلية الهندسة جامعة القاهرة، ثم عمل بالإدارة الهندسية بالجامعة نفسها، تأثر بكتابات سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، وابن تيمية.

كما تأثر بشكري مصطفى، وصالح سرية، مؤسس تنظيم "الفنية العسكرية"، وكتابه "رسالة الإيمان" الذى يدعو فيه إلى الإطاحة بكل الأنظمة العربية، باعتبارها جاهلية.

كان يسكن بمنطقة بين السرايات الملاصقة لعمله، وإختار مسجداً صغيراً أسفل بيته، يؤم فيه للصلاة ويلقى خطب الجمعة، وينشر فيه أفكاره التكفيرية.

استطاع فرج، عام 1980 إعادة بناء تنظيم الجهاد، وتشكيل تحالف مع الجماعة الإسلامية، بعد اقناع كرم زهدي وقيادات الجماعة الإسلامية، وقام باستقطب طارق الزمر، وابن عمه ضابط المخابرات العسكرية، عبود الزمر، إضافة لمجموعة قد كونها الأردني من أصل فلسطيني محمد سالم رحّال، من بقايا مجموعات الجهاد، وقادها كمال حبيب.

وأقنع أيضاً عدة مجموعات بقيادة صالح جاهين، وأنور عكاشة، وأحمد هاني الحناوي، للانضمام إلى تنظيمه.

وشرع بعدها في تأسيس مجلس شورى التنظيم برئاسته وعضوية وتم تشكيل مجلس شورى جديد مكون من عبود الزمر، وكرم زهدي، وفؤاد الدواليبي، ونبيل المغربي، وعلى الشريف، وعصام دربالة، وعاصم عبد الماجد ، وحمدي عبد الرحمن، وأسامة إبراهيم حافظ، وطلعت فؤاد قاسم.

وتم الاتفاق على وضع خطة للقيام بثورة إسلامية عام 1981، تبدأ بالسيطرة على مبنى وزارة الدفاع، ومبنى الإذاعة والتليفزيون، وقيادة الأمن المركزي، ووزارة الداخلية، وقتل بعض الشخصيات السياسية، بحيث يؤدي هذا القتل إلى إرباك القيادات، وفقد السيطرة على الدولة، لكنها باءت بالفشل.

وقد لعب عمر عبد الرحمن، أمير الجماعة الإسلامية دوراً في حل أزمة التمويل للتنظيم السري، بعد إصداره فتوى الاستحلال لأموال الأقباط، بهدف شراء الأسلحة، المختلفة اللازمة لتنفيذ خطة التنظيم.

كان فرج دون شك هو مهندس عملية اغتيال السادات بعد أن التقى خالد الإسلامبولي في المسجد وضمه لتنظيمه، وكان الإسلامبولي شديد الحماس للإنتقام بعد قيام الأجهزة الأمنية بإلقاء القبض على شقيقه الأكبر ، محمد شوقي الإسلامبولي، واستغل تكليفه "كضابط إحتياط" للمشاركة في العرض العسكري بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر 1981 .

وتم دعمه بعدد من الأفراد ذوي الخبرة للمشاركة في العملية، وهم عطا طايل، وعبد الحميد عبد السلام، وحسين عباس، ووفر لهم إبر ضرب نار، بدلا من التي تم تفريغ الأسلحة منها.

عقب اغتيال الرئيس السادات، تم إلقاء القبض على العناصر المنفذة للعملية، وتم معاقبة خالد الإسلامبولي، وعبد الحميد عبد السلام، وعطا طايل، وحسين عباس، ومحمد عبد السلام فرج بالإعدام في 15 أبريل(نيسان) 1982.

وفي محاولة للرد على أفكار عبد السلام فرج، قدم شيخ الأزهر الأسبق، الدكتور جاد الحق علي جاد الحق، كتاب "نقض الفريضة الغائبة"، في 116 صفحة، وقدم له الشيخ عطية صقر، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر آنذاك.

وأوضح الشيخ جاد الحق، فيه أن من كفَّر مُسلماً أو وصفه بـالفسوق، ارتد عليه ذلك، إن لم يكن صاحبه على ما وصف، وأن الجهاد في الإسلام نوعان؛ جهاد في الحرب ويكون بالقتال واليد والمال واللسان والقلب وَفق شروط معينة، وجهاد في السلم بدفع النفس والشيطان (وهو الجهاد الأكبر، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أحد الأحاديث)، وأن الجهاد بمعناه، سواء أكان جهادا أصغر أم أكبر، ماضٍ إلى قيام الساعة (ما يتنافى مع عنوان الكتاب القائل بغياب هذه الفريضة؛ فريضة الجهاد).

وأشار شيخ الأزهر الراحل، إلى أن تكفير الحاكم لمجرد تركه بعض أحكام وحدود الله، قول لا سند شرعي له، مشيرا إلى أن ما ذكره محمد عبدالسلام فرج، في كتابه من أن أحكام الكفر تعلو البلاد الإسلامية، وإن كان أهلها مسلمين، مناقض للواقع.

وأكد الشيخ جاد الحق، أن الشورى هي أساس الحكم في الإسلام، وأن الخليفة مجرد وكيل للأمة، ويخضع لسلطانها، مؤكدًا أن تسمية الخليفة أمر تحكمه عوامل سياسية، ولا تتعطل بسببها مصالح الناس، وأن انتخاب الحاكم يقوم مقام البيعة بالخلافة التي كانت في صدر الدولة الإسلاميَّة.