المحامية اللبنانية أمل كلوني والناشطة الأيزيدية ناديا مراد (أرشيف)
المحامية اللبنانية أمل كلوني والناشطة الأيزيدية ناديا مراد (أرشيف)
الأربعاء 10 أكتوبر 2018 / 21:16

صعود مسألة النساء...

جاءت جائزتا نوبل للسلام، قبل أيام، تعلنان التضامن مع ألم المرأة ومعاناتها. صحيح أن اللواتي تعرّضن للاغتصاب هن طليعة النساء المتألمات، وأن الأيزيديات في العراق هن أكثر من عانين من هذه الوحشية في السنوات القليلة الماضية حين سادت داعش.

على رغم الهجاء العربيّ المألوف للعولمة، فإنّها تبقى صاحبة الفضل الأوّل في تسليط الضوء على هذه الظاهرات، كما في تعميم القيم الجديدة التي تتصدّرها مساواة المرأة بالرجل

لكن الصحيح أيضاً أن ألم النساء ظاهرة لازمت البشرية، فكانت عابرة للأزمنة والأمكنة معاً، كما لم تقتصر على الاغتصاب وإن كان أعلى درجات الممارسة الوحشية ضدّ النساء.

قبل جائزتي نوبل الأخيرتين، انفجرت حملة "أنا أيضاً" ضد التحرش الجنسي والتي انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية واستهدفت بعض أصحاب "الأسماء الكبرى".

الحملة هذه ربما اشتطت وبالغت قليلاً، شأنها شأن سائر الحملات في بداياتها حيث تنفجر ميول مكبوتة من طبيعة عقائدية وثأرية. لكنْ يبقى أن الحملة المذكورة أشعرت الرجال بأن ما يفعلونه ينبغي أن يكون له مقابل، وأن تترتب عليه مسؤولية يصعب تجاهلها والقفز فوقها.

على العموم يمكن القول إننا نعيش حقبة موسومة بصعود النساء: في البلدان المتقدمة، ومع التمكين الذي وفره لهن تزايد التعليم ودخول سوق العمل، لم تعد "المرأة الجديدة" والتعبير لقاسم أمين، مستعدة أن تسكت وتنام على ضيمها، كما فعلت أمها وجدتها مكرهتين في ظروف سابقة.

أما في البلدان المتخلفة، فبدأت عولمة الإعلام، وكذلك عولمة الأفكار والهموم، تسلطان الضوء على المرأة بوصفها الضحية الأولى في الحروب وإبان أعمال التهجير، وأكثر من يدفع أكلاف الفقر في العائلات الفقيرة والمعدمة.

بطبيعة الحال ليس الأمر جديداً بالكامل. فبدايات الحديث عن حقوق النساء وحرياتهن قديمة، أكسبتها الخمسينات والستينات، لا سيما مع سيمون دو بوفوار، زخماً فكرياً ونظرياً ملحوظاً. مع هذا فما نعيشه اليوم مختلف من نواحٍ عدة ومتفاوتة: فمساواة النساء بالرجال لم تعد هماً فكريّاً محصوراً في دوائر نخبوية بعينها، كما لم تعد بنداً في برنامج حزبي أو إيديولوجي ما، أو خطبة إنشائية عن "نصف المجتمع" والمرأة التي تهز العالم بيدها إلخ... وهي بالطبع كفت عن أن تكون "منحة كريمة" يهبها "رجال فاضلون" لـ "نساء مسكينات".

والأهم ربما أن المساواة الجندرية ليست بعد اليوم مسألة قطاعية تقتصر على حقل التعليم أو مجالات العمل. وإذا صح أن تقدم النساء ومساواتهن بالرجال يخدمان التنمية الاقتصادية، وهو بالطبع صحيح، فإن التقدم والمساواة باتا مسألةً قائمةً بذاتها، مستقلة عما عداها، تستمد أهميتها من ذاتها وليس من أي هدف آخر.

بلغة أخرى، تغدو المساواة راهناً موضوعة مطلقة وإطلاقية في آن، مثلها مثل مناهضة العنصرية، والتعصب الديني، والتعذيب في السجون...، أي أنها تحتل موقعها في رأس الحقوق الإنسانية وبين أهم المعايير التي تُحاكَم على أساسها إنسانية الإنسان المعاصر.

ورغم الهجاء العربي المألوف للعولمة، فإنها تبقى صاحبة الفضل الأول في تسليط الضوء على هذه الظاهرات، كما في تعميم القيم الجديدة التي تتصدرها مساواة المرأة بالرجل. والحق أننا لهذا السبب بالضبط نلاحظ اليوم كيف تستأسد البيئات الأكثر رجعية، قومياً ودينياً، في مكافحة هذه المساواة، وفي "التبشير" بإعادة المرأة إلى "المطبخ وتربية الأطفال وغرفة النوم".

 يصح هذا في بلداننا، في أجواء المتأسلمين الراديكاليين، بقدر ما يصح في الأوساط المصابة برُهاب الإسلام في الغرب بوصفه بنداً في برنامج يناهض التعدد والمساواة على عمومهما.