الإثنين 15 أكتوبر 2018 / 19:47

"العرب" في المستقبل.. أنواع!

تَحوَّل الحديث عن حالِ العرب في المستقبل إلى قضية ألغت الاهتمام أو حتى التأمل في أزمات الحاضر في بعض الدول، كما أبعدت ما يتم إنجازه من دائرة الاهتمام، وجعلته مشروعا وطنياًّ خالصاً، خالياً من دوافعه القوميَّة إلاَّ ما جاء ذِكْراً عابراً، وهو بالطبع إكراه وليس اختياراَ.

وذلك على النحو الذي نراه في نماذج دَالَّة أو وَاعِدة بالتقدم في بعض الدول، تلك التي تعمل على كسب الحاضر والاستعداد للمستقبل بوعي وإدراك تامين، وملازمين لطبيعة المرحلة، حيث البحث الجاد عن إجابات تحفظ بعضاً من اليقين، الذي يقوم عليه التفاعل والتعايش والتعاون البشري.

من ناحية أخرى، يبدو الحديث عن المستقبل العربي متأثراً بأَمْرين، الأول: سيطرة الراهن عن المنتظر، والشاهد عن الغائب، والمركّب عن البسيط، والأمر الثاني: الخشية من تقديم إجابات صحيحة في حينها عن الأسئلة المتعلقة بالوجود في الحيز الجغرافي العربي سواء بالمجاهرة بنهاية الخطاب القومي الجامع حتى لو تعلق بجلد الذات، والقبول بالتكتلات الوحدوية البديلة ــــ الفاشلة منها والناجحة ــ الوارثة للوحدة القومية قولاً وفعلاً، حتى لو كانت شكلية، ومثبتة بنصوص وقوانين على غرار جامعة الدول العربية، أو العمل من أجل حسم الخصومات والنزاعات وتحويل البأس الشديد بيننا إلى تأليف بين القلوب من جهة، وتحديد أنماط علاقات جديدة مع الآخرين بناء على إسهامنا الحضاري المنتظر من جهة ثانية.

الملاحظ، أنه كل ما يدور من أحاديث حول المستقبل العربي، سواء أكانت أكاديمية أو سياسية أو إعلامية نقع بين طرفين، هما: "السيطرة والخشية" لجهة الاستعداد والتحضير، مع أن المستقبل آتٍ لا محالة، وهو في قربه يعدّ بالأيام، وانشغالنا به فيه من الإيجابية ما يَشِي بوعود للتغيير، وفيه من السَّلبية ما يؤكد مخاوف كثيرة، منها على سبيل المثال: وصول المستقبل قبل أوانه في ولادة قيصرية للزمن العربي، ونحن لم نصل بعد إلى حلّ المشكلات القائمة في كل المجالات الحياتية، وإلى تقديم تفسيرات مقنعة للإشكاليات المطروحة في مجال الإبداع الفكري والأدبي.

من الناحية العَمَلِيَّة، ليس هناك ما يبعث على التفاؤل بأن المستقبل العربي سيكون أفضل من الحاضر على المستوى القومي، حتى لو كان بعض حالات تشير إلى أنه سيكون أفضل على مستوى الدولة القُطرية، وهذا يعني أن العرب سيكونون في المستقبل أُمَماً شتَّى داخل أوطانهم المجزأة، وتحت مظللات دُولهم المتعددة والمتفرقة أو ما بقي منها، بعد عقود، بقيادة أجيال أخرى، هي غير الموجودة اليوم بما في ذلك الشباب الحالي، مادام المستقبل غير محدد لدى العرب جميعهم، وهو زمن مفتوح.

العرب اليوم أنواع، ولكن هناك جوامع كثيرة بينهم، لكن في المستقبل لن يكون هناك جامع واحد بين كل العرب، ليس فقط لاتساع الفقر والغنى بين دولهم، ولا للفروق الجوهرية في التعليم بين دول ستشارك البرية في رحلات المريخ، وأخرى لازالت تقاتل على أرض جرداء قاحلة، ولا لاختلاف أنماط الحكم والسلطة بين الغي والرشاد، وإنما لأن ما كان حباً مشتركاً، يوماً ما، وصرحاً قائماً هوى على خلفية الاعتقاد بأن الدولة القُطرية تقوم بديلاً عن الأمة، وهذا النوع من التفكير هو الذي أتاح للجماعات الدينية ـــ الإرهابية منها والمُسَالِمة ــ الدفع بالناس إلى حروب، ستجعل ـــ إن ظل التفكير الرسمي في شموليته على حاله ـــ العرب أنواعاً.. كل نوع منهم قد لا يرتدّ إليه طرفه.