من معرض شذى شرف الدين (أرشيف)
من معرض شذى شرف الدين (أرشيف)
الإثنين 22 أكتوبر 2018 / 20:38

خادمات وسيدات

معرض شذى شرف الدين في صالة "أجيال" في بيروت ليس أول معارضها من هذا النوع، فالفنانة التي بدأت بالرقص، ما لبثت أن عكفت على لوحات هي عبارة عن مونتاج موزون ومتكامل لبورتريه التُقِط بالكاميرا وإطار من لوحات اختيرت بعناية وروعي فيها التشكيل والملونة والوِضعة.

المقصود من مفارقات المعرض هو أن للسيدات وخادماتهن النماذج الأصلية نفسها و الذوق نفسه و النجوم نفسها

هذه المرة كان البورتريه لشغالات أجنبيات في البيوت، وهن صرن من معالم منازل الطبقات الميسورة وبعض مقتدري الطبقة الوسطى. وبورتريهات الشغالات احتلت، ليس عن غير قصد، وجوهاً شهيرة لفيرمير، وللعذراء من رسم رفائيل، وفي حال لم يكن الإطار من لوحة اختير من نموذج لشخصية ذائعة، فاحتلت وجوه الشغالات أجساماً وأزياء لمارلين مونرو، وجاكلين كنيدي، وغريس كيلي، ومارلين ديتريش، وهيفاء وهبي، وحريم السلطان العثماني، وأزياء القرن الثامن عشر الفرنسي، الى جانب عازفة في أوركسترا فرنسية.

تقول شذى إنها تركت الشغالات يخترن الوجوه التي يشغلنها بأن عرضت رسمين على كل شغالة وتركتها تختار التي راق لها. يمكننا هنا أن ننوه بالدقة والتوازن والاندماج التي تم بها المونتاج بين الوجوه والإطارات.

وإذا كان المنحى النقدي والمفارقات بارزة بدون شك في هذا الدمج بين النساء الشهيرات ومن ذروة المجتمع والشغالات الأجنبيات في البيوت، فإن فكرة شذى شرف الدين لم تنفذ دون مقدار كبير من الفن والتناسب والانسجام، وهي بحد ذاتها جزء من النقد الذي انطوى عليه المعرض.

لم تجد شذى على الأقل في الظاهر صعوبة قصوى في إدخال وجوه الشغالات على أجسام نساء من علية القوم ومن المجتمع الراقي. كانت الشغالات في أثواب الأميرات، ولم يكن هذا مبعث تنافر أو مفارقة.

لقد بدَونَ كالأميرات حين ارتدينَ كالصفوة من المجتمع العالي. كان هذا التناسب، دون شك مقصوداً، بل كان بالتأكيد واحداً من أغراض المعرض، إن لم يكن الغرض الرئيسي له. لقد غطت رصانة اللوحات والتناسب الذي فيها السخرية البالغة التي توازي بين السيدات، بل بين نجوم المجتمع وخادماتهن.

ضاعت الفوارق بين هؤلاء وأولئك. كانت السخرية الحقيقية في ضياع الفوارق بين النخبة العليا والطبقة الدنيا. لم تكن نساء النخبة غريبات عن خادماتهن لقد بدون، بتعديل في الرسم، لائقات ببعضهن بعضاً.

كن جميعهن، حين استوت المظاهر، على الصعيد نفسه وفي المستوى ذاته. هذا المنحى النقدي جعل الفنانة تستعين بكثرة بينها مصممو أزياء، فاللوحات قريبة منهم ولوحاتها كانت، في الحقيقة، تصميمات ذكية وناجحة.

ليس المتفرج بحاجة الى كثير من الاجتهاد ليعثر على غرض المعرض وليصل إلى تلك النتيجة، فالمعرض ليس دون غايته النقدية، وليس دون سخريته العالية ولكن الصامتة، السخرية التي تنجح كلما اختفت وكلما لم تلفت فوراً إليها.

تقول شذى إن المقصود من مفارقات المعرض، هو أن للسيدات ولخادماتهن النماذج الأصلية نفسها،
والذوق نفسه، والنجوم نفسها، أي أن ما أظهره الشكل هو أيضاً أو هو نفسه في القرارة. وإذا كانت الخادمات في ثياب سيداتهن لا يختلفن عنهن، فإنهن أيضاً في أذواقهن، أي في نفوسهن وأحاسيسهن وخياراتهن في المستوى نفسه.

هذه فرضية فحسب ما دامت لم تعرض على السيدات وما دامت النجوم التي فضلتها الخادمات هي أيضاً دون حاجة إلى السؤال مفضلة وشهيرة، فمن يشك في تعلق الناس بمارلين مونرو، وجاكلين كنيدي، وغريس كيلي، وهيفاء وهبي، ونجمات الجوقة الفرنسية، وحريم السلطان؟ لكن ما يعلنه الشكل والمونتاج من توازٍ واتساق يتجاوز بكثير التفضيلات المفترضة هذه.

الشكل يقول إنهن، السيدات والخادمات، من جبلة واحدة، وأن هذه الفوارق التي تبدو في المظاهر هي أيضاً، بتعديل بسيط، تسطع أو تتألق في المظاهر. هنا نجد أن ما تظنه السيدة امتيازاً، ليس له من سند سوى المظاهر، ماذا لو ارتدت الخادمة كسيدتها؟ ماذا لو استقرت في وضعتها وجلست جلستها؟ أي فرق يبقى عنذئذ بين الاثنتين؟ اذا كانت فكرة المعرض هي هذه فإن السخرية العالية تبقى في طوايا المعرض.

 السخرية التي هي عمود اللوحة وعمود المعرض لا تحتاج إلى كثير بحث. إنها واضحة ومُعلَنة ولو اقتضى الأمر إخفاءها. فحين تصور الخادمات كالأميرات والسيدات وحين يظهرن فعلاً كذلك، لا يحتاج المرء إلى أن يذهب أبعد ليتبين السخرية. بيد أن النقد ليس هنا كل شيء، فهناك أيضاً الفن الذي يجعل التركيب متقناً وموزوناً وأيقونياً. الفن الذي يجعل من الصورة لوحة وليس فقط تعليقاً، أو كاريكاتوراً ويجعل النقد المضاد مستوراً فيها.