ريم الجندي في معرضها (أرشيف)
ريم الجندي في معرضها (أرشيف)
الإثنين 5 نوفمبر 2018 / 19:18

قناني ريم الجندي

ريم الجندي التي تختار لمعارضها موضوعاً واحداً هو، في الغالب، من يومياتها، تختار الآن لمعرضها موضوع الشراب، عدة الشراب ومجالسه ولياليه. لوحة تشرف فيها من شاهق قنينة مرسومة بدقة هابطة من سماء ليست سوى قصاصة ورق، ومن هناك تطل عملاقة على تعريجات بالخط هي عبارة عن تشابك أشخاص اللوحة بخلفية صفراء.

المفارقة هي لعبة اللوحة لاسيما المفارقة بين واقعية القناني وتمويهات الأشخاص في أسفل اللوحة

لوحة ثانية هي القنينة العملاقة نفسها تشرف من سماء قاتمة على تبقيعات متشابكة لأشخاص من تحت. رجل وامرأة بألوان زرقاء في أسفل اللوحة وفوقهما على خلفية زهرية مزخرفة رزمة قناني.

قنينة عليها رسم امرأة فوق ما يشبه صفحة من كتاب بخط ثخين. قنينة على خلفية من خرق فوق تبقيعات توحي بأشخاص متشابكين. رسم لرجل وامرأة متقابلين على طاولة وفوقهما نسيج عريض كتب عليه "ويمبي" في تذكار لمقهى الويمبي الذي تحول إلى مخزن. رجل في غمرة تشابكات وزخارف.

لوحة بالأسود والأبيض لشاب مستلقٍ متكئ إلى طاولة حاملاً علبة جعة على ركبته. امرأتان على بار اصطفت في ما مقابلهما القناني في واجهة عريضة.

من هذا القليل في وصف اللوحات يمكننا أن نلاحظ أن هذه القناني التي تملأ معظم اللوحة فوق تشابك خطي هو عبارة عن تبقيعات وخطوط توحي بتشابك أشخاص، هي البارزة في تقنيات اللوحات التي عدد قليل منها، من بينها عارية في فضاء واسع ومستلق يمسك العلبة فوق ركبته، عدا هذا القليل فإن اللوحات التي يشملها جميعها الخط والتبقيع هي هكذا أشبه بإعلانات منزاحة ومحورة، فالسماء من قماش والخطوط والبقع متداخلة شائكة.

نحن الآن أمام فن لا يتجاهل الرسم ولا يلغي الخطوط والبقع بل هو مزيج متوازن من الرسم والتصوير والقناني مرسومة بواقعية وبحجم عملاق بينما الأشخاص عبارة عن خطوط وبقع. القناني مشرفة من فوق وذات حجم عملاق بالقياس إلى النصف الثاني من اللوحة الذي يُرسم بإلهام وجلغمة، كأنه في ذلك مقابل للقناني المرسومة بواقعية شديدة وبمنظور بارز. فإذا أضفنا إلى القناني السماوات الورقية التي تستند القناني إليها، تبيّن لنا أن اللوحات في الغالب مجموعة مفارقات.

بين القناني الدقيقة التصوير والواقعية جداً تنزاح السماء المستندة إليها إلى أن تصير خرقة أو صفحة مجعدة، بينما يبدو القسم الأسفل مرسوماً بخطوط ثخينة متشابكة وتبقيعات. أي أن المفارقة هي لعبة اللوحة لاسيما المفارقة بين واقعية القناني وتمويهات الأشخاص في أسفل اللوحة. اللوحة بذلك تصور وتحكي فالقسم الأسفل هو أقرب إلى سرد، ثم أنها في تقنياتها التي تقسم معظم اللوحات الى أعلى مشرف وأسفل مبقع، تبدو في ذلك أقرب إلى الإعلانات لكنها تنزاح عن الإعلان بالمفارقة التي بين الأسفل والأعلى.

إننا هكذا أمام ما لا نستطيع أن نطلق عليه إلا السخرية، فهذه السماء الورقية هي دون ريب وخاصة أنها تسند القنينة التي هي ركن اللوحة، وتجعل هذا الإسناد الذي لا يسند موضوعاً للتهكم، ثم أن القنينة بالحجم الكبير الذي تأخذه في اللوحة والواقعية الشديدة التي تصوَّر بها، تتصل بالبوب آرت لكنه بوب آرت ملغوم أو منزاح، فهذه القناني تشرف على أشخاص أشبه بتخطيطات . كما أن القناني الواقعية تستند عن قصد إلى سماء مموهة وزائفة، أي أننا أمام نوع من واقعية مضادة، أي بوب محوّر، المفارقة والتهكم يجعلانه منزاحاً عن نفسه.

بين الرسم والتصوير يدور المعرض غير أن ثمة مفارقة أخرى فصوَر القنينة التي تبقى دائماً منتصبة وعملاقة أو حاشدة "كما في إحدى اللوحات".

إنها في حجمها وإشرافها وانتصابها تبدو في حالة من السيطرة، أو إن شئنا كلمة أخرى لقلنا إنها في حال من التصنيم، غير أن هذا التصنيم يطل على عناصر متهكمة أو غائبة أو لامكترثة. التصنيم هنا يبدو معزولاً ومدموغاً بعكسه في الواقع حتى أن القيمة التجارية التي يمكن أن يكون لأجلها هي الأخرى معرضة للتهكم. إذا كان المعرض في موضوعه احتفالاً بالشرب فإنه لا يبدو هكذا لدى الشاربين، فحيث نجد أشخاصاً في جلسة مرتاحة عائلية أو غير عائلية، لا نجد نفس الحضور للقنينة، فحينما نجد الفتاتين الأختين غالباً لا نجد القنينة العملاقة، وحين نجد الحبيبين عاريين تحت القنينة نجدها ملطخة بما يشبه الوسخ، وحين نجد الفتاتين حول البار نجدهما أمام واجهة مكتظة بالقناني.

وجه آخر للمعرض هو حياة شبه عائلية من أخوات نفتقد فيها القنينة التي يغدو غالباً حجمها الكبير وإشرافها من فوق باعثين للسخرية، أو ضخامة غير ذات معنى ومحاطة غالباً بما ينقضها.