رجل أمن يعتقل متظاهراً خلال احتجاج في اسطنبول.(أب)
رجل أمن يعتقل متظاهراً خلال احتجاج في اسطنبول.(أب)
الثلاثاء 13 نوفمبر 2018 / 17:17

كيف يحوّل أردوغان تركيا إلى دولة أحياء-أموات؟

شكّل ما دار خلال جلسة نقاش برلمانيّ تركيّ منطلقاً لمقال الصحافي ياوز بيدر في صحيفة "ذي اراب ويكلي" اللندنية. فقد قال رئيس المجلس النيابي وهو عضو في حزب العدالة والتنمية: "نحن نطهر الجميع".

من غير المفاجئ أنّ نخباً تركية كثيرة بدأت تبحث عن الحياة خارج تركيا. وهي تنضم إلى هجرة جماعية لأولئك الذين يفقدون الأمل سريعاً

وكلمة "الجميع" تعني كل الذين يختلفون مع حزب الرئيس التركي. "التطهير" هو نمط أسّسه الحزب عبر إقالة "الجميع" من مؤسسات الدولة والمناصب العامة. ومع دخول تركيا عامها الثالث بعد الانقلاب الفاشل، لم يتباطأ هذا التطهير.

ردّ النائب الكردي ميرال دانيش بشطاش قائلاً: "انظر حضرة الرئيس المحترم، حين يأتي الوقت وتصبح موضع اتهامات جنائية، لن أتردد وأصدقائي للدفاع عنك قانونياً، لكن الآن، ماذا تظن أنك فاعل حين تقول إنّك تطهر الجميع؟ لقد طردتم قضاة، ضباط شرطة، ضباط جيش، معلمين، مهندسين، أطباء. من تظنون أنفسكم؟"

لا أمل بالعودة إلى حياة طبيعية
يوضح بيدر أنّ هذا النقاش حدث حينما كان البرلمان يدرس مشروع قانون مثير للجدل. إنّ الأطباء الذين أقيلوا من المؤسسات الصحية العامة بمرسوم رئاسي بعد اتهامهم بالارتباط بمجموعات إرهابية، سيُمنعون من العمل في القطاع الخاص. إنّ تقريراً صادراً عن منظمة العفو يقدّر عدد الأشخاص الذين تم إعفاؤهم من مناصبهم بعد انقلاب 2016 ب 150 ألف شخص تقريباً. من بين هؤلاء بيروقراطيون من وزارات الحكومة المركزية إضافة إلى مسؤولين إداريين على المستوى المحلي. كما قال بشطاش، هنالك قضاة وضباط في الشرطة والجيش وأساتذة وأطباء من بين هؤلاء.

تحدثت منظمة العفو إلى 900 مسؤول تعرضوا للطرد وخلصت إلى أنّه لم يكن هنالك من أمل أمامهم كي يعيشوا بشكل طبيعي مجدداً ناهيكم عن العودة إلى مناصبهم. إنّ لجنة تلقي الشكاوى عملت لأكثر من سنة لكنها لم تفعل أي شيء تقريباً بالنسبة إلى المعترضين، وفقاً للمنظمة نفسها.

أموات-أحياء

إنّ مشروع القانون الذي هو في الطريق إلى التصويت هو فعل تطهير خطير. في بعض المحافظات التركية، يتسبب النقص في الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بمشاكل عدة. يرفع النواب المعارضون الصوت إزاء هذه المسألة لكنّهم لا يتلقون آذاناً صاغية بشكل صحيح من قبل برلمان يسيطر عليه التحالف القومي الإسلامي بين حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية.

يضاف إلى ذلك أنّ الرئاسة التنفيذية الجديدة في تركيا تعني شللاً في البرلمان التركي. هنالك نمط واضح في المجموعات المستهدفة بالتطهير وهو يوضح الهدف الاستراتيجي لحكومة أردوغان التي تتألف من كوادر قوميين وإسلاميين متشددين.

على الرغم من مرور وقت طويل على الانقلاب الفاشل، يقول معارضون من داخل وخارج البرلمان إنّ الدولة التركية مصممة على تحويل المجموعات المعارضة تعسفاً إلى "أموات-أحياء". ومن بين هذه المجموعات الغولنيين والأكراد المتعاطفين مع حزب الشعوب الديموقراطي والعلمانيين واليساريين بشكل عام. بحسب وجهة النظر الرسمية، يشكل هؤلاء أعداء داخليين للدولة والمجتمع.

لماذا يستهدف أردوغان الأطباء؟

لو تم إقرار هذا القانون سيُفرض حظر على بعض الأطباء من ممارسة الطب في القطاع الخاص. أما بالنسبة إلى سبب استهداف هذه الفئة تحديداً، فيشير بيدر إلى أنّ من سيطر بشكل واسع على هذا القطاع بشكل تقليدي هم العلمانيون الذين يميلون لليسار، خصوصاً في النصف الغربي من الأناضول والمحافظات التي يسيطر عليها الأكراد في جنوب شرق تركيا. يعلم أردوغان أنه على الأرجح لن يستطيع كسب تأييدهم. ما يوشك الأطباء أن يواجهوه هو ما سبق أن واجهه أشخاص من مهن أخرى كالمحاماة. إنّ محامين معارضين كثراً موجودون في السجن أو محرومون من أهلية ممارسة مهنتهم. الرد الرسمي على ما تراه الدولة أنه عدم ولاء هو العقوبة القصوى: الهبوط إلى منطقة الأموات الأحياء. ويبدو أنّ السلطات غير مهتمة بأنّ هذا السلوك مدمر بالنسبة إلى دولة تعاني من نقص في اليد العاملة المؤهلة.

هجرة جماعية
إنّ استنتاجات منظمة العفو الكئيبة قد تكون صحيحة. إذا تم الوصول إلى الهدف الاستراتيجي الذي تخاف منه المعارضة، سيتحول ملايين المواطنين إلى ما وصفه أحد الصحافيين يوماً بـ "الزومبي" (الأموات الأحياء) لأنّهم "غير مرغوب بهم". من غير المفاجئ أنّ نخباً تركية كثيرة بدأت تبحث عن الحياة خارج تركيا. وهي تنضم إلى هجرة جماعية لأولئك الذين يفقدون الأمل سريعاً بأن تذهب تركيا بالاتجاه الصحيح.