السبت 17 نوفمبر 2018 / 19:45

تحديد رؤوس الفتنة

جاء بيان النيابة العامة السعودية يوم الخميس الماضي 15 نوفمبر واضعاً النقاط على الحروف فيما يتعلق بقضية مقتل الزميل جمال خاشقجي رحمه الله في القنصلية السعودية بإسطنبول، ومعلناً عن رغبة المملكة في التعامل بشفافية مع هذه القضية الشائكة، ومدللاً على أن المملكة قد اعترفت بالخطأ الذي وقع، وساعية في تحقيق العدالة، وإيقاع العقوبة على من وقعوا في هذه الجريمة، رغم أن السعودية كانت تستطيع رفض تحمل المسؤولية وأن تقوم بالإنكار مثلما فعلت كثير من الدول، شرقاً وغرباً، في قضايا مشابهة. إنها قضية إنسانية أخلاقية لها تبعات جنائية، لكن هناك من يصر على تسييسها لأنها بالنسبة لهم فرصة ذهبية للابتزاز وللطعن في المملكة وقيادتها.

كتب الرئيس التركي رجب أردوغان مسلسلاً عن مقتل الزميل جمال، وقام بإنتاجه وكتابة السيناريو والإخراج، ولم يكتف بهذا، بل كان يُطلّ فجأة على شاشة التلفزيون التركي ليقوم بتقديم دعاية للمسلسل trailer بين حين وآخر، بالإضافة إلى إطلالات أخرى يذكر فيها بموعد جديد لكشف تسريبات جديدة تتعاقب كل يوم ولا يريد لها أن تنتهي، إنها حفلة الخلاص التي لا يريدها أن تنتهي.

قضية خاشقجي تلقفها ثلاثة أطراف، الطرف الأول هم الديمقراطيون الأمريكيون الذين رأوا فيها فرصة لإسقاط الرئيس ترمب أو على الأقل حرمانه من فترة رئاسية ثانية، والطرف الثاني هم أعداء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الداخل والخارج، وعلى رأسهم حمد بن جاسم صاحب قناة الجزيرة الذي تعهد بأنه سيقسم السعودية ذات يوم إلى شرق يحوي البترول وغرب يحوي المقدسات، ووسط فقير. هذا الرجل داهية دهياء، وله علاقة بمنظمات سرية عالمية تسعى لتفكيك وتدمير وابتزاز عالمنا العربي كله، والطرف الثالث هو أردوغان الذي قبض على القضية بكلتا يديه وتشبث بها تشبث الطفل بلعبته، لأنه يعتبرها طوق نجاة بالنسبة له ولبلاده التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، فانطلق في لعبة التسريبات اليومية التي أصبحت في غاية السخف ولم تعد تنطلي إلا على التفــّه من الناس. متفرغاً من كل شؤون بلاده، مضى يتاجر بقضية خاشقجي ماشياً فوق الجماجم بدون مبالاة، متحدثاً مع كل الدول الكبرى جميعاً، ومتوجهاً لكل المجتمع الدولي، ما عدا الدولة المعنية بالقضية، السعودية التي كان يُفترض أن يتعاون معها ويقدم لها ما عنده من أدلة أو على الأقل يطلعها عليها. السعودية لم تتخذ منه موقفاً حاداً لكن جاءته الصفعة من الغرب، مع تكذيب وزير الخارجية الفرنسي له في دعواه أنه أطلع فرنسا على التسجيلات التي ألمح أنها تدين ولي العهد، فأصبح العالم كله يعرف أنه قد كذب في هذه القضية، وفقدت روايته تماسكها.

لقد ذهب النائب العام السعودي إلى تركيا وطالب بالتسجيلات إلا أن السلطات التركية رفضت إطلاعه عليها. لماذا رفض التعاون مع النائب السعودي؟ كان ينبغي أن نعرف منذ ذلك اليوم أن هذا الرفض ليس له إلا تفسير واحد، هو أنه لا يوجد تسجيلات تحتوي أو تدعم ما كان يُلمح له الرئيس التركي من إدانة لولي العهد.

هذا لا يعني أن ننفي وقوع جريمة بشعة شنيعة وبطريقة ساذجة تم فيها استدراج فرقة الموت من قبل أطراف كانوا يتابعونهم في كل لحظة. فتش هنا عن دور المتعاون المحلي الذي يبدو أنه كان متعاوناً مع المخابرات التركية ، لا مع فرقة الموت.

القضية قد اتضحت اليوم بشكل كبير، بعد انكشاف لعبة التسريبات التركية، وأنهم لم يطلعوا العالم عليها، وأنها لا تحتوى على دليل إدانة لولي العهد. هذا ما صرح به مستشار الأمن القومي جون بولتون في 13 نوفمبر عندما ذكر أن الفريق المتخصص التابع له قد اطلع على التسجيلات التي قدمها أردوغان، وأنها لا تتضمن على الإطلاق، ما يُشير إلى علاقة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالحادثة. لم يكن هذا هو كل ما قاله جون بولتون، فعندما كرر أحد الصحفيين السؤال عن دور القيادة السعودية في الحادثة، أجاب: "ليس ذلك هو الاستنتاج الذي خلص إليه من استمعوا له، وبالتأكيد هذا ليس موقف الحكومة السعودية".

أهم من تصريح بولتون، موقف الشعب السعودي الذي أعلن التفافه وتأييده الكامل للقيادة العليا المتمثلة في الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان. هذا الموقف جعل اثنين من المعارضة السعودية، هما د. محمد المسعري و د. مضاوي الرشيد ينهالان هذه المرة على الشعب السعودي بسيل من الشتائم السوقية الشوارعية، بحجة أن الحملة على ولي العهد وحده، فلماذا يدافع الشعب عنه؟ مع أن موقف الشعب لا يدل إلا على العقل والنضج والحكمة. نحن نؤمن إيماناً عميقاً أن ولي العهد بريء من هذه التهمة، وندرك أيضاً حجم المؤامرة الضخمة التي حيكت ضد بلادنا وأنها تتجاوز جريمة القتل، فهناك من صرح بأنه سيسعى بكل قوة لأن تقع حرب أهلية في السعودية تؤدي لتقسيمها، كما هو واقع سوريا وليبيا اليوم. نحن ندرك حجم هذه المكائد والدسائس ولذلك نحن كلنا متحدون خلف القيادة ولن نستمع لنعيق غربان الخراب مهما أطالوا أمد هذه الأزمة.