خطيب يلقي محاضرة عن ذكرى المولد النبوي في أحد مساجد الجزائر (أرشيف)
خطيب يلقي محاضرة عن ذكرى المولد النبوي في أحد مساجد الجزائر (أرشيف)
الخميس 22 نوفمبر 2018 / 20:06

الطقوس الشعبية الدينية بوصفها ذاكرة ثقافية خليجية

من مؤلفات الناقد الفرنسي من أصل جزائري جمال الدين بن الشيخ كتاب "Le Voyage Nocturne De Mahomet "رحلة محمد الليلية"، وهو في هذا الكتاب يسرد بطريقته الخاصة قصة إسراء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أو ما عُرِف بسرديات المعراج في الثقافة العربية الإسلامية.

أجدادنا ببساطتهم كانوا يحتفلون بإيمانهم وإسلامهم، ولم ينظروا إلى تلك الفنون على أنّها بدع وضلالة!

اعتمد ابن الشيخ في سرديته على مصادر متعددة منها معراج ابن عباس، وهي الرواية الشعبية التي اختلقت اسم ابن عباس لتستفيد من سطوته الرمزية بوصفه حبر هذه الأمة ومرجعية رصينة على قدر عالٍ من الوثوقية في الإسناد.

وعاد ابن الشيخ كذلك إلى رواية والدته الأمية البسيطة عن المعراج، وهي ترويها بلهجتها الشعبية، حيث لاتزال تروى قصة إسراء الرسول في بعض الدول العربية والإسلامية. وعاد ابن الشيخ كذلك إلى استنطاق عشرات من المنمنات الإسلامية التي استوحت من معراج الرسول موضوعاً لها، وهي المنمنات المتناثرة في عدد من متاحف أوروبا والعالم.

ابن الشيخ الذي اشتغل على الثقافة العربية الكلاسيكيّة وعلى الشعر العربي القديم تحديداً طوال ربع قرن من عمره، غادر منطقة النصوص الرصينة المنتمية إلى الثقافة "العالِمة" إلى مناطق أخرى لم تحظَ بعناية تلك الثقافة.

وفي كتاب"العقل السياسي العربي" اعترف المفكر المغربي محمد عابد الجابري بأن المتخيل العربي الإسلامي يمثل مكوناً رئيساً في تكوين العقل العربي، وأنه حتى "اللاشعور السياسي" يستمد قوته وتألقه من هذا المتخيل.

ونحن نحتفل بالمولد النبوي الشريف أرسلت لي صديقة فيلماً قصيراً لإحدى الفرق الشعبية النسائية الخليجية، وهن يقمن بأداء المولد النبوي الشريف أو "فن المالد"، وكانت المؤديات جميعهن نساء يرتدين أزياء شعبية خليجية.

 وأحسب أن هذا التسجيل يعود إلى أواخر السبعينيات من القرن الماضي حيث كان الاحتفاء بهذه المناسبات مثل مولد النبي، والإسراء والمعراج، يأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام الناس، إلى درجة أنه كانت توجد لدينا عادة شعبية في بعض مناطق الخليج العربي هي "النافلة" حيث تُوزع أطباق الأرز باللحم و"الهريس" على بيوت الجيران الذين يتسابقون في إهداء هذه الأطباق ابتهاجاً بهذه المناسبات الدينية.

كنا في الطفولة نشهد هذه الاحتفالات التي نقيمها حتى في منازلنا. كنا نشعر بميلاد الرسول ونعيش اللحظات، ونستحضر معراج الرسول، وفي أغانينا الخليجيّة الشعبية هناك فن يُسمى "القادري" نسبة إلى الطريقة الصوفية القادرية "عبدالقادر الجيلاني"، وفي مفردات الأغاني الشعبية الخليجية الكثير والكثير مما يحيل على الدين الشعبي.

أين ذهبت هذه الفنون الشعبية الدينية؟! إنها تكاد تندثر وتتلاشى للأسف! بسبب تأثيرات متعددة! إن أجدادنا كانوا يفهمون الإسلام بعظمته الكونية، وكانوا ببساطتهم يحتفون بتغلغله في نفوسهم وفي قلوبهم وعقولهم بعيداً عن مفهوم"البدعة" الذي أصبح مهيمناً على بعض الخطابات الدينية المتشددة.

إن أجدادنا ببساطتهم كانوا يحتفلون بإيمانهم وإسلامهم، ولم ينظروا إلى تلك الفنون على أنها بدع وضلالة!

أشيد باهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بفن "المالد" وإحيائه والاحتفاء به، إلى جانب اهتمامها واهتمام الدول الخليجية بالفنون الشعبية بوصفها مكوناً رئيساً من هوية المواطن الخليجي العربي.