مشهدان مموهان من مقطع الفيديو عن تعرض الطفل السوري جمال وشقيقته للتنمر في بريطانيا.(أرشيف)
مشهدان مموهان من مقطع الفيديو عن تعرض الطفل السوري جمال وشقيقته للتنمر في بريطانيا.(أرشيف)
الجمعة 30 نوفمبر 2018 / 20:08

الجانب القبيح لجمال

لم يتطلب الأمر لزعزعة الأساس المتين الذي تقف عليه قضية التعنيف الأسري سوى أن تلفّق بعض الحسابات الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي القصص حول تعرّضها للضرب، وأن تستعين زوراً وبهتانا بصور من "غوغل"

لم يكن من المستغرب أن تتخطى التبرعات حاجز الـ33 ألف جنيه استرليني خلال ليلة واحدة بعد انتشار المقطع المروّع لتعرّض جمال –اللاجئ السوري - للتنمر على يد أزعر بريطاني في المدرسة، فالحاجة بدت ماسة لتغيير حياة هذا الطفل المستضعف وأسرته قليلة الحيلة.

ولم يكن من المستغرب كذلك أن أشرع شخصياً في لعب دوري المفضل كـ "محامي الشيطان" –كما يقول التعبير الإنجليزي الشائع-، أي بأن أشكك في الأمور من حولي، وأتساءل عما تخفيه.

ولكني فكرت مراراً وتكراراً –بل وخفت، للأمانة- قبل أن "أنكش" سطح الاهتمام الذي لاقته الحملة لمساعدة جمال، وأن أسلّط القليل من الضوء على بعض الآراء المعاكسة لها.

فابن عمنا متهم من قبل أصوات عدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بكونه جانياً آخر في حفلات التنمر، وليس المجني عليه الوحيد. فيزعم الكثيرون–والله وحده أعلم بمصداقيتهم- بأنه قد تشارك مع شقيقته في ضرب وتهديد زملائه في المدرسة. بل أن هناك من يزعم بأنه قد رأى صوراً لفتاة أقدم جمال على عضها في رأسها، وألحق بها إصابات "أسدية" في طابعها.

حسناً، أعتذر عن مزحتي السخيفة.

بالطبع، أنا لا أؤكد ولا أنفي هذه الاتهامات، كما لا أنكر الاحتمالية العظيمة لإنتاجها في مخيلات اليمينيين المتطرفين، والذين توغر صدورهم العداوة لكل أجنبي.

إنما من المريب أن نتردد قبل مجرد التحدّث عن هذه الآراء، أو النبش خلف مصداقيتها، لأن في ذلك مخاطرة حقيقية بأن نعصف بالقضية بأكملها، ونخسر جميع من التفوا من حولنا كمتعاطفين حتى استطعنا بث الوعي فيهم حيال خطورة التنمر.

نعم! هذا هو الواقع الهش الذي نقف عليه، فالخطوط بين القضايا والمنتمين إليها أرفع من بيوت العنكبوت، وأي خطوة خاطئة قد تهوي بك وبشعاراتك النبيلة إلى القاع، مما يرغمك على الانقياد –أو التظاهر- بالانقياد خلف عاطفتك أحيانا، حتى حينماً يشير العقل إلى وجوب التريّث والتساؤل والبحث.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يتطلب الأمر لزعزعة الأساس المتين الذي تقف عليه قضية التعنيف الأسري سوى أن تلفّق بعض الحسابات الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي القصص حول تعرّضها للضرب، وأن تستعين زوراً وبهتانا بصور من "غوغل".

ذلك الجهد البسيط، والذي إما جاء متعمداً بغرض تشويه المساعي النسوية، أو بهدف لفت الأنظار لا أكثر، كان كافياً ليكذّب البعض جميع ادعاءات النساء العربيات حول تعرّضهن للتعنيف، ويعيد هذه القصص إلى كتاب "ألف ليلة وليلة"!

ببساطة، تُرغم في كثير من الأحيان على عدم ملاحظة التفاصيل الرمادية من حولك، فكل شيء وكل أحد يجب أن يصبغ إما بالأبيض الناصع أو الأسود القاتم، وإلا لما وافقتك الغالبية على ضرورة محاربة الباطل.

حتى تنضج قدرتنا على التعاطف، لنفترض بأن جمال هو "ملاك آخر نازل من السماء"، وندوّن بيانات "كريدت كاردنا" بصمت.