عراقيان يدفعان عربة وسط أنقاض مدينتهم المهدمة في شمال البلاد (رويترز)
عراقيان يدفعان عربة وسط أنقاض مدينتهم المهدمة في شمال البلاد (رويترز)
الإثنين 10 ديسمبر 2018 / 15:40

العراق: امتحانات كبرى في الذكرى الأولى لدحر داعش

بعد عام على إعلان العراق "الانتصار" على تنظيم داعش الإرهابي، تجد البلاد نفسها اليوم في مهب التنافس السياسي الذي أهملته في أيام الحرب، وأمام تحديات عدة ليس آخرها العجز عن حل المشاكل الاجتماعية، والاتفاق على حكومة، حسب ما يشير خبراء.

منذ نحو 40 عاماً، لم يعرف العراق إلا الحرب، من الحرب مع إيران من 1980إلى 1988)، إلى غزو الكويت وتبعاته 1990و1991، مروراً بالحصار الدولي والغزو الأمريكي للبلاد 2003 إلى 2011، وصولاً إلى الحرب الأهلية، وبعدها دخول تنظيم داعش وسيطرته على ما يقارب ثلث مساحة العراق في 2014.

وانتهت ثلاثة أعوام من الحرب الدامية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بإعلان بغداد "النصر" على التنظيم المتطرف، ودحره من البلاد.

تحدٍ كبير
ويقول الباحث في معهد "شاتام هاوس" ريناد منصور: "هذه ليست المرة الأولى التي يحقق فيها العراق نصراً عسكرياً. هناك مهمات عدة أنجزت سابقاً. لكن النصر الأكثر تحدياً اليوم هو النصر السياسي الذي لطالما تأجل".

ويضيف منصور أن "أحداً لم يكن فعلاً مستعداً لإيجاد حل سياسي. كانوا يعالجون الأعراض وليس جذور المشكلة".

في يوم "الانتصار"، دخل العراق عصر ما بعد الجهاديين، وشهدت البلاد انتخابات تشريعية في مايو (أيار) الماضي، شابتها شكوك وطعون، وانتهت بإعادة فرز يدوي أنتج برلماناً جديداً مشتتاً، دون غالب أو مغلوب.

وهنا دقت ساعة السياسة "التي هي جذر المشكلة، والمحاصصة، والتغانم الوظيفي، تحت مسمى التنافس الحزبي"، حسب المحلل السياسي العراقي جاسم حنون.

مرحلة انتقالية.. مستمرة
ومذ ذلك الوقت، "لا يزال العراق يعيش مرحلة انتقالية واضطراباً سياسياً، وانعدام رؤية واضحة لإدارة البلد"، وفق ما يضيف حنون.

بعد خمسة أشهر من الانتخابات، كُلف عادل عبد المهدي بتشكيل حكومة قبل بداية نوفمبر (تشرين الثاني).

لكن رئيس الوزراء الجديد الذي يعد من الشخصيات التوافقية النادرة في البلاد، الذي يتعرض لضغوط الولايات المتحدة وإيران، لم يتمكن من تقديم إلا 14 وزيراً من حكومته، لمعارضة عدد من أعضاء البرلمان لبعض مرشحيه، وخاصةً لحقيبتي الداخلية والدفاع الأساسيتين.

ويؤكد مصدر مقرب من الحكومة، أن هناك "حلاً قريباً، لأن الأمر يتعلق بتصفية حسابات سياسية أكثر منه فترة انتقالية".

إعادة الإعمار
غير أن التحديات لا تقف عند عقبة تشكيل الحكومة. ويواجه رئيس الوزراء اليوم تحدياً هائلاً في إعادة إعمار بلد دمرته معارك طرد الجهاديين من شمال البلاد وغربها على مدى ثلاثة أعوام. 

ويقول منصور: "بعد الانتصار على داعش، كان الناس يتطلعون إلى حياة أفضل. كان هناك أمل. هم نفسهم بدأوا اليوم يتساءلون عما إذا كانت هذه النخبة السياسية قادرةً، أو حتى مستعدة، للتعامل مع جذور المشكلة".

وبقي الوضع على ما هو عليه في المناطق التي تحررت منذ أكثر من عام.

ولم توضع حتى الآن أي خطة لعودة النازحين، أو لإعادة إعمار المناطق المتضررة، رغم انعقاد مؤتمر ضخم للمانحين في الكويت في فبراير(شباط) الماضي.

وحتى اليوم لا يزال "أكثر من 1.8 مليون عراقي نازحين في جميع أنحاء البلاد، و حوالي 8 ملايين شخص في حاجة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية"، وفق تقرير للمجلس النروجي للاجئين.

ويشير التقرير إلى أن منازل أكثر من نصف النازحين تضررت أو دُمرت بالكامل، منها موجودة في مدن لا تزال تحت الأنقاض بكاملها مثل الموصل، وسنجار.

وسيكون على سلطات بغداد أيضاً معالجة آثار الاحتجاجات التي تصاعدت وشهدت أعمال عنف في بعض الأحيان، في بلد يحتل المرتبة 12 ضمن لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، للمطالبة بالخدمات العامة بينها معالجة البطالة، والكهرباء.

ويخوض العراق اليوم مفاوضات مع شركتي جنرال إلكتريك الأمريكية، وسيمنز الألمانية، لإعادة شبكة الكهرباء التي ستتأثر بالعقوبات الأمريكية على طهران، المورد الرئيسي، رغم فترة السماح الأمريكية للعراق.

وفي هذا السياق، يقول منصور: "نعم، وقت الحرب انتهى، والصيف المقبل سيكون مفصلياً لعبد المهدي".

كل ذلك لا يلغي أن العراق اليوم يشهد تراجعاً ملحوظاً في العنف، مقارنةً مع ما كان عليه الوضع قبل عام.

والجدير بالذكر أن العراق شهد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، العدد الأقل من الضحايا المدنيين لأعمال العنف منذ ست أعوام، حسب الأمم المتحدة، وأقل من نصف عدد الضحايا في الشهر نفسه من 2017.

حرب داخلية
لكن استمرار سقوط الضحايا، يدل على أن الجهاديين، رغم هزيمتهم، ما زالوا قادرين على شن هجمات من مخابئهم المنتشرة على طول الحدود العراقية السورية.

فعلى سبيل المثال، تضاعف عدد الهجمات في محافظة كركوك بين 2017 و2018، حسب تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي يشير إلى انخفاض عدد الهجمات ضد المدنيين وارتفاعها ضد المؤسسات الحكومية والأمنية.

لكن المتابعين اليوم يحذرون من خطر آخر، هو اندلاع حرب داخلية بين الأحزاب الكبرى المسيطرة على المشهد السياسي، والتي كانت بالأمس تحت راية واحدة، وساهمت بشكل كبير في دحر تنظيم داعش.

ويقول حنون: "كل شيء متوقع اليوم بسبب الخلافات بين الأحزاب التي رأى فيها مؤشراً خطيراً"، متخوفاً من أن يشهد البلد "مواجهةً شيعيةً شيعيةً، يمكن أن تكون الكارثة البديلة".