الصحافي السعودي جمال خاشقجي.(أرشيف)
الصحافي السعودي جمال خاشقجي.(أرشيف)
الأحد 30 ديسمبر 2018 / 13:33

خاشقجي وواشنطن بوست: خدعة العام

أكدت الصحافية سعاد سباعي أنّ عمل جمال خاشقجي لصالح قطر من أجل ترويج ربيع الإخوان في الشرق الأوسط، كان واضحاً حتى قبل اختفائه في السفارة السعودية في اسطنبول. يكفي أن يقرأ المرء مقالاته في صحيفة واشنطن بوست وأبرزها المقال الذي نشرته في 28 أغسطس (آب) الماضي تحت عنوان: "الولايات المتحدة مخطئة تجاه الإخوان".

لو كان صحيحاً شعار واشنطن بوست بأنّ الديموقراطية تموت في الظلام، فالصحيفة سقطت ضحية نبوءتها الخاصة والسيئة التوجيه

نتج ذلك المقال عن قلم كاتب ظل إسلامياً يهدف إلى إعادة إحياء مشروع غزو المنطقة من قبل الإخوان ورعاتهم القطريين والأتراك بقيادة أردوغان، تحت ستار الديمقراطية والحرية. وفي 17 أكتوبر (تشرين الأول) نشرت الصحيفة مقالاً دعائياً آخر يشيد خاشقجي من خلاله بشبكة الجزيرة كواحة لحرية الصحافة في العالم العربي وتذمر أيضاً من نقص حرية التعبير في العالم العربي.

الصورة كُشفت
من هنا، إنّ ما تكشف أخيراً عن العلاقة بين خاشقجي ومؤسسة قطر الدولية المتخذة من واشنطن مقراً لها، ليس مفاجئاً بالتأكيد. كانت الديبلوماسية الأمريكية السابقة والمديرة التنفيذية لمؤسسة قطر ماغي ميتشل سالم تحدد لخاشقجي الرسائل التي كان ينبغي توجيهها عبر الصحيفة. ما يفاجئ هو أنّ الصحيفة الأمريكية كشفت وقائع مماثلة في مقال نشرته قبل عيد الميلاد يظهر محتوى عدد من الرسائل الهاتفية التي تم تبادلها بين "شخصية العام" بحسب مجلة تايم وبين سالم. يقدّم المقال نوعاً من التأريخ للأشهر التي عاش خلالها في الولايات المتحدة ويحاول أن يرفع قدر الإمكان من الوجه الإعلامي لخاشقجي كشهيد حرية وكمحب لوطنه يضطهده حكامه. لكنّ المقال لا يمكنه منع هذه الصورة، التي رُسمت لاستهلاك الرأي العام العالمي، من أن تتأثر بالمقاطع التي خُصصت للعلاقة بين خاشقجي ومؤسسة قطر الدولية.

غياب الصدقية
إنّ محتوى الرسائل الهاتفية الوارد في ملف من 200 صفحة مذكور بشكل ثانوي كي لا يشوه الخط السردي الأساسي. لقد تم ذكر علاقة خاشقجي بالإخوان وذراعهم في الولايات المتحدة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير"، كما علاقته بأعضاء بارزين في الحكومة التركية بطريقة باردة وكأن لا مبرر لذكرها. يشير المقال إلى أنّ خاشقجي ذهب إلى كير للبحث عن تمويل من أجل تأسيس مؤسسة رأي واسمها "الديمقراطية للعالم العربي الآن". من أجل موازنة الأخبار التي تؤكد أنّ خاشقجي مروج للقضية الإسلامية التي ينشرها الإخوان وقطر وتركيا، تذكر واشنطن بوست المحاولة السابقة لإحياء "مجلس الأبحاث السعودي".

لكنّ الصحيفة التي ترمز لمناهضة الرئيس دونالد ترامب سمعت بهذه المحاولة المزعومة من خلال "وثائق غير محددة.. بدت جزءاً من مقترح محتمل موجه إلى وزارة الإعلام السعودية". وهذا مصدر غامض مثل شهادة الأصدقاء المزعومين والأشخاص "المطلعين على محادثاتهم" المذكورين مرات عديدة في المقال والذين لا يعطون الصدقية للسردية التي نشرتها الصحيفة.

فشلت بفصل نفسها عن قطر
تضيف سباعي أنّ الصحيفة تعلن عدم معرفتها بوجود العلاقة الخطيرة بين خاشقجي وقطر. لم يعرف محررو قسم مقالات الرأي أي شيء حول الموضوع لكن رئيس التحرير فريد هيات دافع عن مهنية خاشقجي كاتباً: "الدليل على استقلالية جمال يكمن في عمله الصحافي وجميع الذين قرأوا عمله يمكنهم التحقق من ذلك". بالنسبة إلى الذين قرأوا كتاباته سيسهل جداً عليهم نفيه. من المحتمل أنّ الصحيفة لم تعرف شيئاً لكن كان يجب عليها أن ترفض عمل خاشقجي وتتوقف عن الدفاع عنه. تظهر واشنطن بوست تواطؤها مع قطر والإخوان فلم يذكر المقال أي انتقاد لنظام الدوحة أو مشكلة تمويل الإرهاب والانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان تجاه العمال الأجانب الذين يبنون ملاعب كرة القدم لكأس العالم 2022.
  
لقد حددت الصحيفة الإخوان بأنهم "منظمة محظورة من قبل الأنظمة التسلطية في الشرق الأوسط". استطاعت الصحيفة فصل نفسها عن العلاقة الخطيرة بين خاشقجي وقطر لكن ليس عن العلاقات التي من المرجح أن تتم المحافظة عليها مع الدوحة وهو ما يفسر الضيافة العظيمة التي أعطيت للصحافي السعودي في الولايات المتحدة.

لماذا كشفت ما كشفته؟
تتساءل سباعي في ختام مقالها عن السبب الذي دفع واشنطن بوست للكشف عن خداع العام، طارحة احتمال تفادي سقوطها في فضيحة لو أنّ صحيفة أخرى كشفت الحقيقة حول خاشقجي. لكنها تضيف أنه في جميع الأحوال، لو كان صحيحاً شعار واشنطن بوست بأنّ الديمقراطية تموت في الظلام، فالصحيفة سقطت ضحية نبوءتها الخاصة والسيئة التوجيه.