حقائب أموال قطرية منقولة إلى غزة (أرشيف)
حقائب أموال قطرية منقولة إلى غزة (أرشيف)
الإثنين 28 يناير 2019 / 18:20

هل حقاً مات الذين يستحون؟

مرة أخرى يهدر الذين لا يستحون كرامة شعب كريم، ويظل المقاول القطري في غزة يصول ويجول ويوزع الفتات الدولاري وينسق مع أصدقائه في تل أبيب، ولا يسأله أحد عما يفعل

أكاد أجزم بأن المسؤولين الفلسطينيين الذين يستحون ماتوا فعلاً، وأن الخجل صفة غير موجودة في تعريف الكيانات والقيادات السياسية والفصائلية التي تمتطي الحالة الفلسطينية في زمن الخراب والتناحر والانقسام وتوزيع الأدوار في لعبة ترسيخ الأمر الواقع الاحتلالي.

لا أحد يخجل، بل إن أحداً لا يبدي امتعاضه ناهيك عن اعتراضه على ما وصلنا إليه من إذلال وإراقة لماء الوجه، ونحن الذين لم نكن نملك قبل التسويات المشينة غير كرامتنا.

في الضفة المحتلة يواصل سدنة التنسيق الأمني دفاعهم عن منجز ما بعد أوسلو، وينشغلون في تشكيل حكومات لا تحكم، بينما يستمر الاحتلال في عربدته، ويتواصل إرهاب عصابات المستوطنين اليهود الذين انتقلوا من حالة السطو على الأراضي بقوة جيش الاحتلال إلى مداهمة القرى وقتل من فيها بحماية الجيش "المبندق" ذاته، وبغطاء سياسي أمريكي وغربي، يصل حد المشاركة في جرائم الإبادة التي يتعرض لها فلسطينيو الألفية الثالثة.

وفي الوقت الذي تجهد فيه أجهزة أمن السلطة ومخبروها في ملاحقة النشطاء الفلسطينيين ومطاردتهم واعتقالهم كإجراء وقائي لحماية قوات الاحتلال وقطعان مستوطنيه، يقدم الغرباء المحمولون على جناح الأسطورة التوراتية على تنفيذ جريمة الاعتداء بالرصاص الحي على أهل قرية "المغير" في هجوم مدفوع بشهوة القتل، ما يعني إعلاناً إسرائيلياً واضحاً بانتهاء التنسيق الأمني الذي تتمسك به السلطة ويقدسه رئيسها. لكن السلطة التي تناشد العالم وأممه ومجلس أمنه التدخل لحماية المدنيين الفلسطينيين، لا تجرؤ حتى على التلميح لاسرائيل باستيائها من عدم الالتزام بالاتفاقات الأمنية وبالتنسيق الذي يبدو أنه من طرف واحد.

على الجهة الأخرى في خريطة الانقسام تقبل سلطة الأمر الواقع في غزة وشيوخها الحمساويون التعاون مع مقاول تهدئة قطري يحاول شراء التهدئة والهدوء بـ15 مليون دولار شهرياً، وعندما "يتكتك" المقاول مع الاسرائيليين الذين زودهم بقاعدة معلومات كاملة عن عدد كبير من أبناء القطاع، بما في ذلك بصماتهم، ويفرض الإسرائيليون شروطاً صعبة للموافقة على دخول حقائب الدولارات القطرية، ويكشف الإعلام العبري هذه الفضيحة، تنتفض حماس، وتعلن رفضاً للمنحة القطرية، لكنها تسمح للمقاول بتوزيعها بمعرفته وطبقاً لقاعدة البيانات المتوفرة لديه بموافقة شيوخ الجماعة الحمساوية.

ومرة أخرى يُهدر الذين لا يستحون كرامة شعب كريم، ويظل المقاول القطري في غزة يصول ويجول ويوزع الفتات الدولاري، وينسق مع أصدقائه في تل أبيب، ولا يسأله أحد عما يفعل.

صحيح أن هناك حاجة للهدوء في الضفة وغزة، لكن وجود الاحتلال بحد ذاته هو نقيض للهدوء، ومانع له، وغياب الحرية يجعل الهدوء مجرد خنوع واستسلام.

قد يصلح نظام السوق في البلاد المستقلة والمستقرة، لكن هذا النظام الذي يعتمد البيع والشراء لا ينسجم إطلاقاً مع واقع شعب يناضل من أجل حريته، ويواجه بأكفه البيضاء مخارز العدو وأيدي أصدقائه السوداء.
لماذا إذن يستمر هذا الواقع المخجل في الضفة وفي القطاع؟

في رؤية أكثر دقة للتنسيق الأمني بين سلطة الضفة والاحتلال، يبدو جلياً أن السلطة هي من يحتاج لهذا التنسيق من أجل ضمان بقائها وحماية فاسديها.
وكذلك الحال في علاقات حماس العربية والإقليمية، لأن الغطاءين القطري والتركي ضروريان لضمان الحركة وشيوخها في السرايا.

ليس ما تقدم خلاصة دراسات وتحليلات وتقديرات موقف تتداولها النخب، بل هو ما يحكي به الفلسطينيون في حوارات البيوت والمقاهي، ذلك لأن الناس يميزون بين السياسة والتآمر. ولو أجريت انتخابات نزيهة حقاً لسقطت سلطتا الأمر الواقع سقوطاً مدوياً في الضفة وفي القطاع.
لا أحد يريدهم.. لا أحد يثق بهم.