المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس (أرشيف)
المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس (أرشيف)
الخميس 31 يناير 2019 / 18:20

بيني موريس.. إعادة تمثيل الجريمة

"دولة ثنائية القومية"، هذا ما تتجه إليه الأمور في فلسطين، بأغلبية عربية مسيطرة، وأقلية يهودية تتراجع إلى الهامش قبل أن تغادر نحو شتاتها.

فيما يشبه نبوءة مريرة توقع المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس "نهاية الدولة اليهودية" في الغرق في الشرق الأوسط. ستخسر "جوهرها" الذي يتشكل من "يهوديتها وأخلاقها". وبالتالي "ستصبح جزءاً من جغرافيا عربية عنيفة لا تحتفي بالحياة ولا تتمتع بأخلاق "التسامح وقيم الديمقراطية".

ليست نبوءة تماماً، هي أقرب إلى صيحة تحذير يشوبها اليأس وتكتنفها العنصرية، في تداخل يعكس المسيرة المضطربة لهذا المؤرخ الإسرائيلي وسيرته المشوشة، من قدر "الدولة الواحدة" الذي يقترب من كل الجهات بعد انهيار فكرة الدولتين، الذي تسبب فيه الفلسطينيون.

"دولة ثنائية القومية"، هذا ما تتجه إليه الأمور في فلسطين، بأغلبية عربية مسيطرة، وأقلية يهودية تتراجع إلى الهامش قبل أن تغادر نحو شتاتها، بينما تغرق الدولة، التي لم تعد يهودية، في رمال الشرق الأوسط بعد نضوب النفط.

في استعادة سريعة لبدايات "موريس"، (المولود في فلسطين سنة "النكبة"، أي في 1948، لأبوين مهاجرين وصلا البلاد الفلسطينية عام 1947)، يمكن الحديث عن مغامرة لفتت إليه النظر بقوة، عبر قراءته لتاريخ النكبة الفلسطينية، بعد حصوله على وثائق دقيقة من تلك الحقبة، والتي ظهرت في كتابه المثير "نشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين – 1947/1949".

شكل الكتاب مقدمة قوية وصادمة للرواية الصهيونية المتداولة ومهّد، ربما، لموجة جديدة من المؤرخين الشباب، الذين تحدثوا بشجاعة عن عمليات "الترانسفير" والجرائم التي ارتكبتها الميليشيات اليهودية في فلسطين عشية النكبة، من أبرزهم إيلان بابيه وآفي شلايم، ولعل بابيه هو الوحيد الذي واصل تلك المغامرة الشجاعة، وربط تلك المقدمات بسلوك مهني وأخلاقي وإنساني، بينما واصل موريس تحسّره فيما يشبه اعتذاراً طويلاً ومتصلاً لصهيونيته الجريحة اللائمة، باحثاً عن مبررات تجعل من القاتل ضحية ومن موت الفلسطينيين واجباً صهيونياً، كان يمسك قماشته الرطبة ويمسح يدي القاتل وسكينه ويدفعه من جديد نحو خط الضحايا المقيدين أمام الحائط.

ثمة ندم أيضاً يمكن تتبعه بوضوح على تلك "المقدمة"، ندم أنه فعل ذلك، أنه كتب كتاباً حقيقياً في بواكير حياته.
لقد عبر، خلال اعتذاره الذي لم يتوقف والذي تحول إلى تميمة عنصرية يحملها أنى ذهب، وتفاقم بشكل مرضي بعد عام 2000، عن حزنه، لأن "بنغريون لم يكمل العمل في حينه"، كان عليه أن يدفع الفلسطينيين جميعهم نحو الشرق، لقد ضاعت تلك الفرصة الآن، ضيعها بنغريون، وليس لنا سوى انتظار النهاية الحتمية، حين يصبح "البرابرة" أكثرية حاكمة في هذه البلاد، "كان علينا وضعهم في أقفاص"،.

وفي كتابه "دولة واحدة.. دولتان" الذي أصدره عام 2009، قدم الرجل وثيقة فاشية نموذجية، من حيث الرثاثة الأخلاقية والفكرية التي تضعه، دون تردد، في خلية ناشطة للفاشيين المستوطنين من جماعة "تدفيع الثمن".

في رد مرتبك على مقالة للصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة "هاآرتس"، المقالة القصيرة التي قشرت طبقات من أقنعة "المؤرخ"، يحاول موريس استحضار "رفضه" للاحتلال كمنصة حوار مع ليفي، ويبحث متعرقاً عن مناطق توافق معه، ولكنه يجد نفسه، حتى في وسيلته تلك، يصل إلى جثث الفلسطيييين كغاية.

لقد انتهى قبل ذلك بكثير، ولكنه هنا يعيد تمثيل جريمته في مسرح مهجور.