أثيوبيون يحتجون على مقتل مواطن لهم على يد الشرطة الإسرائيلية.(أرشيف)
أثيوبيون يحتجون على مقتل مواطن لهم على يد الشرطة الإسرائيلية.(أرشيف)
الأحد 3 فبراير 2019 / 20:26

عدوى العنف!

في تبرير قتل الشاب الأثيوبي بدعوى أنه يحمل سكيناً ما يُحرّض على التفكير في عمليات قتل متكررة لفلسطينيين بدعوى أنهم حاولوا طعن جنود إسرائيليين

تظاهر آلاف من اليهود الأثيوبيين في تل أبيب، يوم الأربعاء الماضي، احتجاجاً على مقتل شاب منهم على يد الشرطة الإسرائيلية. وفي التفاصيل أن شرطياً أطلق النار على الشاب بدعوى أن الأخير كان يحمل سكيناً في يده، واتضح بعد التحقيق أن الضحية من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن بشرته السوداء أثارت ارتياب الشرطي.

والواقع أن الكلام عن "بشرة سوداء أثارت ارتياب الشرطي" يُعتبر صياغة مُلطّفة تنطوي على دلالتين، وخلاصة تدخل في باب المسكوت عنه. فالبشرة السوداء تعني أن المذكور قد يكون عربياً، أو أحد المهاجرين الأفارقة، والخلاصة في الحالتين أن قواعد التعامل معه من جانب الشرطة تخضع لمعايير تختلف عن طريقة تعاملها مع المواطن اليهودي الإسرائيلي "الأبيض".

وبقدر ما يتعلّق الأمر بالأثيوبيين في إسرائيل فهم ليسوا عرباً، وليسوا مهاجرين، وهم يهود، أيضاً، جاء آباؤهم إلى إسرائيل في عمليات هجرة مُنظّمة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تحقيقاً لقانون العودة، الذي يعني أن لكل يهودي في العالم حق الإقامة والمواطنة في إسرائيل. وفي سنوات الهجرة المنظمة تلك اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، ميناحيم بيغين، جلب اليهود الأثيوبيين إنجازاً تاريخياً يُضاف إلى مآثر حكومته.

وبما أن الواقع أكثر تعقيداً، دائماً، من التعبيرات البلاغية عنه، فإن تمتع هؤلاء بالمواطنة التي منحها لهم امتياز حق العودة اصطدم بعقبتين لم يجر تذليلهما حتى الآن. فيهوديتهم ما زالت موضع شك، حيث فرضت عليهم المؤسسة الدينية السائدة في إسرائيل ضرورة القيام بطقوس جديدة لاعتناق اليهودية. أما العقبة الثانية فتتجلى في حقيقة أن بشرتهم سوداء، وهذا ما لا يمكن التفاوض بشأنه، أو تجاوزه عن طريق طقوس دينية أو مدنية، مع التذكير بحقيقة أن مسألة يهوديتهم لم تُحل بطريقة حاسمة حتى الآن.

وفي الحالتين لم يجد هؤلاء صعوبة في اكتشاف أنهم ضحايا للعنصرية. لذا، لم يكن من قبيل المصادفة أن ترفع مظاهرة يوم الأربعاء الماضي، في تل أبيب، شعار "كفى". وفي هذا الصدد، كتبت ناشطة منهم في جريدة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قبل أيام: "نحن مثل أي شخص آخر، الفرق الوحيد بيننا وبينكم هو لون الجلد".

للشرطة الإسرائيلية رواية مختلفة، بطبيعة الحال، فهي تتهم جيل الشباب من اليهود الأثيوبيين بالميل إلى العنف، وانتهاك القانون. وإذا كان في الإمكان العثور على ما يفسّر الميل إلى العنف، وانتهاك القانون، في المكانة الاقتصادية والثقافية المتدنية لهؤلاء في المجتمع الإسرائيلي، إلا أن الاعتداء عليهم، وملاحقتهم، من جانب الشرطة، واعتقالهم لأسباب واهية، يحيل إلى حقيقة اختلاف معايير التعامل مع فئات مختلفة من المواطنين، أي إلى العنصرية بتعبير الناطقين باسم اليهود الأثيوبيين.

بيد أن في المسكوت عنه ما يُسهم في توسيع الآفاق الدلالية لعنف الشرطة. ففي تبرير قتل الشاب الأثيوبي بدعوى أنه يحمل سكيناً ما يُحرّض على التفكير في عمليات قتل متكررة لفلسطينيين بدعوى أنهم حاولوا طعن جنود إسرائيليين. ففي حادثة تصدّرت الأخبار قبل ثلاث سنوات لأن أحدهم نجح في تصويرها، قام جندي بقتل فلسطيني جريح يرقد على الأرض في الخليل، ولم يكن ثمة ما يبرر هذا العمل بذريعة الدفاع عن النفس.

لم يصل أحد، بعد، خاصة من نشطاء اليهود الأثيوبيين، والمعنيين عموماً بقضايا حقوق الإنسان، إلى حد اكتشاف صلة موضوعية بين ما يُمارس على الأثيوبيين، وفي المجتمع الإسرائيلي عموماً، من عنف وما يُمارس على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
ومع ذلك، ليس من السابق لأوانه القول إن لأعمال القتل بدعوى محاولات طعن، وأعمال مشابهة تتكرر بصفة دورية في الضفة الغربية والقدس، وتمثل مادة إخبارية شبه دائمة، قابلية الانتقال كالأمراض السارية والمعدية من مكان إلى آخر، فهي لا تظل محصورة في مكان دون غيره، أو في فئة قومية أو اجتماعية دون غيرها. وهذا ما يستحق الكلام عنه، والتعليق عليه، تحت شعار من نوع "كفى" أكثر من أي شيء آخر.