وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن.(أرشيف)
وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن.(أرشيف)
الإثنين 4 فبراير 2019 / 19:49

ألغاز الوزارة اللبنانية

في ما كان النقاش اليومي يحمل للجمهور أخباراً عن الحصص الوزارية، فالجمهور يعرف الآن في جملة ما يعرف مسألة مطلب صهر الرئيس عون بـ 11 وزيراً لحصة الرئيس ما يعني ثلث مجلس الوزراء الأمر الذي يتيح له تعطيل المجلس وحلّه حين يريد ذلك

السجال الوزاري الراهن في لبنان وهو سجال، لا يخلو من عراك ومناوشات في السر، لا يخلو من مستجدات. تتكفل الصحف والميديا الجديدة والأخبار اليومية في نقل كل ما يجري في هيكل الدولة الى الجمهور. يمكن القول إن السلطة من هذه الناحية، عارية تماماً، وتفاصيلها اليومية هي خبز الشارع. مع ذلك فإن ما يزداد انكشافاً، هو كما عند المتصوفة، يزداد غموضاً.

 فالأرجح أن مفردات السلطة ومفردات السياسة التي كانت حتى عهد قريب خارج الانتباه العام وتمر على الجمهور بدون أن تثير تطلباً من أي نوع للفهم والتمييز، الآن كانت ثمانية أشهر كفيلة بزيادة إبهامها وزيادة حيرة الجمهور إزاءها. الآن خلال هذه الشهور الثمانية، توقف الجمهور عند كل اسم، وسأل بالتأكيد عن كل مرشح للوزارة، وبالتأكيد انكشفت له علاقات الخفية الثنائية والجماعية، وكانت، من قديم، انكشفت له بالتأكيد علاقات القرابة والمصاهرة، وانكشفت له حتى العلاقات العائلية والبيتية، علاقات الوراثة والقرابة. الآن تتسلط الأنظار على الوزراء الذين استحقوا إرثهم وفازوا به، والذين هم على وشك أن يفعلوا ذلك. لقد تحققت الوراثة الجنبلاطية وإن بقي، النائب السابق وليد جنبلاط هو اللاعب الأساسي، الأمر الذي يذكر ببداية وليد جنبلاط بعد استشهاد والده. لكن السؤال لا يزال عن وريث نبيه بري، ووريث ميشال عون بين صهريه، وبدا ظهور السيد على تلفزيون الميادين بعد هذا الغياب نهوضاً حقيقياً وعومل من الجمهور الشيعي وغير الشيعي على هذا النحو، ولم يخيب السيد مشاهديه، فقدم عرضاً للحرب السورية في أحوالها الحاضرة والمقبلة، بما في ذلك الانسحاب الأميركي وأثره في المنطقة والتدخل التركي بعد هذا الانسحاب. لقد استحضر في المقابلة ما تفاعل خلال غيابه وما صارت وتصير اليه الأحداث بعد هذا الغياب. لم تطرح بعد مسألة وراثة سمير جعجع رجل القوات اللبنانية وهو لا يزال فاعلاً ولا ينذر سنّه أو صحته بأي سؤال إشكالي، وبالطبع فإن سعد الحريري من هذه الناحية لا يثير سؤالاً.

مع ذلك فإن الشهور الثمانية التي انقضت على السجال الوزاري، أتاحت للجمهور رؤية من كثب لعلاقات السلطة المتحركة وغير المتحركة. في ما كان النقاش اليومي يحمل للجمهور أخباراً عن الحصص الوزارية، فالجمهور يعرف الآن في جملة ما يعرف مسألة مطلب صهر الرئيس عون بـ 11 وزيراً لحصة الرئيس ما يعني ثلث مجلس الوزراء الأمر الذي يتيح له تعطيل المجلس وحلّه حين يريد ذلك. الآن تصل معرفة الجمهور الى أكثر من ذلك، إنه يعرف وقبل تأليف المجلس الوزاري التنازع على الحصص. من يطالب بوزارة البيئة ومن يرغب بوزارة الثقافة ومن يريد لفريقه وزارة الشؤون الاجتماعية ومن يرفض وزارة الإعلام ومن يتمسك بوزارة الصناعة. لم يكن هذا السجال معروفاً للجمهور، أو مهماً له من قبل. خاصة وأن السجال يدور الآن حول وزارات غير مُعلمَة في الوزارة.

ليست وزارة البيئة أو الثقافة أو الصناعة مُعلمة ولا دامغة، فهي إلى حد ما وزارات مستحدثة، ومن غير الواضح حتى الآن مهامها ومشاغلها وحتى جهازها البشري. واحدة من هذه الوزارات المستحدثة وزارة الثقافة على سبيل المثال، لا تزال في فترة التمرين ولم يستقر تنظيمها على معرفة بها وغاياتها وميزانيتها، وكانت الى الآن هبة تعطى للفريق الأقل حظاً، ولا يذكر قبل الآن أن أحداً طالب بها. ليست وزارة البيئة في وضع مختلف فوزارة البيئة تستمد أهميتها من المشاكل البيئة التي انقضت سنوات وهي تراوح في مكانها. لنقل أن مشكلة النفايات أو مشكلة التلوث، لا يبدو في الأفق أن ثمة حلولاً قريبة لها. مما يدعو كما يخطر أول الأمر، الى التهرب والاستعفاء منها. قد يقال أن تغييراً حدث وأن حلولها وشيكة وعلى الطريق، لم يقل أحد ذلك وإن قيل فلا يبدو أنه يستند الى دلائل موضوعية، إقتصادية أو عملية، وقد دارت سنوات على هذا الوضع والمشكلة هي هي. ثم نحن لا نفهم اي برنامج لوزارة الثقافة يعده أو أعده المطالب بها، وأي مفهوم آخر لهذه الوزارة فهي لا تزال تحتاج الى تعريف والى مفهوم.

 الأمر نفسه يسري على وزارة الصناعة في بلد كلبنان نعرف مقدار الصناعة فيه. ثمة في الأمر كله ما يشبه الألغاز، ربما يعني ذلك أن النزاع الوزاري بدأ ينتج ألغازه.