من تظاهرات الثورة الإيرانية.(أرشيف)
من تظاهرات الثورة الإيرانية.(أرشيف)
الجمعة 8 فبراير 2019 / 19:47

إيران وفلسطين بعد أربعين سنة

كم كنا على حق حين تحمسنا للثورة الإسلامية وشعاراتها الفلسطينية، وكم نحن الآن على حق بأن نعترف بأن الرهان لم يكن واقعياً، وان نصيحتنا الدائمة لإيران أن تستثمر في علاقات متوازنة مع الجار الأقرب "دول الخليج" ومع الجيران الآخرين الأبعد قليلا وعلى رأسهم مصر

شاءت الأقدار أن أكون في موقع أتاح لي مراقبة العلاقة الفلسطينية الإيرانية عن قرب والتأثير المتبادل مع محيطها العربي.

وبمناسبة مرور أربعين سنة على حكم الثورة الإسلامية، وجدت من المفيد أن أقدم شهادة عن تطورات هذه العلاقة، في البداية وحين اتسع نطاق الاحتجاجات الشعبية في إيران، وبات محتملاً سقوط عهد الشاه لمصلحة عهد الخميني، كان الفلسطينيون وبتقدير من ياسر عرفات هم الأقرب والأكثر دعماً في شتى المجالات، وكان عرفات يردد ومنذ الأيام الأولى لعودة الإمام الخميني إلى طهران بأن عمق القضية الفلسطينية والثورة، امتد من جنوب لبنان إلى خراسان.

كانت الثورة الفلسطينية في ذلك الوقت مالكة لقدرات سياسية وعسكرية وإعلامية، وضعت كلها بتصرف الثورة المنتصرة.

بلغ مستوى العلاقة آنذاك حد التحالف بل والشراكة الكاملة، ظل الأمر هكذا إلى حين طرح شعار تصدير الثورة وانفجار الموقف بين العراق وإيران، فوجد عرّاب العلاقة ياسر عرفات نفسه في حيرة من أمره، فإن ذهب بعيداً مع إيران سيخسر العراق وما يمثل من العرب، وإن اختار قوميته على إسلاميته وانحاز إلى العراق فسيخسر إيران وهي في أوج انتشارها الجماهيري في العالمين العربي والإسلامي.

في حالة من هذا النوع كان لدى عرفات مخرج يريحه من تكاليف الفرز، فاختار الوساطة بين الجارين، كان يقطع آلاف الكيلومترات براً ليرطب الأجواء بين الجانبين.

في تلك الحقبة الزمنية التي طالت، هبط مستوى العلاقة إلى الحد الأدنى، كان الإيرانيون والعراقيون يشعرون بقيمة الراية الفلسطينية واحتكار كل منهما لها.

حصلت أمور مال فيها عرفات إلى الشقيق العراقي، حين فتح له صدام أبواب العراق كله تعويضاً عن خسارته مصر وخروجه من بيروت.

كان صدام أكثر قدرة من الإيرانيين على دعم عرفات، وتمكينه من الوقوف على رجليه بعد خسارته الفادحة لأهم مركز قوة له.

المرحلة الثالثة والتي انهارت فيها العلاقة فعلياً، كانت بعد أوسلو. اتخذ الإيرانيون موقفاً مبالغاً في الرفض والإدانة، ووصل الأمر في مرحلة ما حد محاكمة عرفات والقسم على البندقية بأن يعدم كخائن. لم يكن الإيرانيون يملكون المؤهل الموضوعي لتدخل بهذا العمق وعلى هذه الدرجة من العداء، حتى الرئيس حافظ الأسد كان موقفه أكثر هدوءاً وليونة، مع أنه ووفق كل الحسابات يستطيع القول إنه متضرر مما حدث في أوسلو.

ما هي أخطاء الإيرانيين عبر هذه المسيرة التي صار عمرها أربعين سنة؟

الخطأ الأول وأحصر نفسي هنا في الشأن الفلسطيني، هو بناء مواقف على فرضية إن الفلسطينيين ينبغي ان يكونوا امتداداً وتابعين تلقائيين للاجتهادات الإيرانية في أمر قضيتهم وكفاحهم.

والثاني.. دعم جزء من المكون الفلسطيني العام ما أدى في الواقع إلى تعميق الشروخ بين المكونات الفلسطينية، وهذا نظر إليه على أنه دعم لمواصلة الانقسام وليس لمساعدة الفلسطينيين جميعاً.

ثالثاً... لم يستثمر الايرانيون في تعميق الوئام والتفاعل الإيجابي مع المحيط العربي والمعني هنا دول الخليج، ويخطئ الإيرانيون التقدير حين يعزلون الظاهرة الفلسطينية عن التأثر بمواقف واتجاهات محيطهم العربي.

كم كنا على حق حين تحمسنا للثورة الإسلامية وشعاراتها الفلسطينية، وكم نحن الآن على حق بأن نعترف بأن الرهان لم يكن واقعياً، وان نصيحتنا الدائمة لإيران أن تستثمر في علاقات متوازنة مع الجار الأقرب "دول الخليج" ومع الجيران الآخرين الأبعد قليلاً وعلى رأسهم مصر.

لو فكّر الإيرانيون في تكاليف سياستهم الداخلية والخارجية التي عمرها أربعون سنة فلربما يتفادون خسارات محققة وليدرسوا جيداً وضعهم في سوريا والعراق، كأوضح مراكز نفوذ حتى الآن لهم في العالم العربي.

سؤالنا للأشقاء في ايران، هل حقاً لديكم الإمكانات الكافية لتثبيت التوسع وتطويره في منطقة يتصارع العالم كله عليها، لو حسبتم جيداً لفكرتم بصورة مختلفة.