صورة مركبة للرئيسين العراقي الراحل صدام حسين والفنزويلي نيكولاس مادورو (أرشيف)
صورة مركبة للرئيسين العراقي الراحل صدام حسين والفنزويلي نيكولاس مادورو (أرشيف)
الإثنين 25 فبراير 2019 / 18:55

إذا أردت أن تعرف ما يجري في فنزويلا

في مسلسل سوري قديم للثنائي المبدع دريد لحام ونهاد قلعي، كان اسمه "صح النوم"، درج حسني البورزان، نهاد قلعي على ترديد جملة حفظها كل من شاهد المسلسل، وكان نصها "إذا أردنا أن نعرف ما يجري في إيطاليا يجب أن نعرف ما يجري في البرازيل".

قد يفكر أصحاب القرار بالتغيير الانقلابي في هذه الدولة النفطية إلى الجنوح نحو الحسم العسكري الكامل، واستدعاء النموذج العراقي، ما يعني احتلال فنزويلا وإخضاعها لقرار حاكم عسكري أمريكي يلعب دور بول بريمر ويمهد الأرض لتولي دمية أمريكية مقاليد الحكم

بالطبع لم تكن ثمة علاقة بين ما كان يجري في إيطاليا وما كان يجري في البرازيل، لكن المؤلف أو كاتب السيناريو أقحم هذه الجملة التي تحولت إلى لازمة من أجل زيادة الجرعة الكوميدية في المسلسل، وكان اختيار المقارنة بين إيطاليا والبرازيل متعمداً، باعتبارهما بلدين لا تشابه بينهما في أي شيء.

الآن وبعد حوالي نصف قرن من "صح النوم" نستيقظ من نومنا لنفاجأ بدراما واقعية أبطالها سياسيون وليسوا ممثلين، وأحداثها واقعية وتجري على الأرض، وليست متخيلة وتؤدى تمثيلاً في الاستوديو.

أعني تحديداً ما يجري في فنزويلا التي تعيش الآن ربيعاً براغياً نسبة إلى ربيع براغ، وتتحرك فيها جموع رافضة للحكم ومعجبة ببريق الديمقراطية القادمة من وراء الحدود، في تكرار لسيناريو الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق في 1953 بعد قراره تأميم النفط في بلاده.

وربما ينتهي الحال بكاراكاس إلى مآلات مشابهة لطهران التي شهدت خروج الجموع إلى الشوارع لإسقاط مصدق، وذلك في إطار عملية "أجاكس" التي قادتها مخابرات بريطانيا والولايات المتحدة.

النموذج الإيراني يبدو ماثلاً في أذهان من يعملون على إسقاط نظام نيكولاس مادورو الرئيس الفنزويلي السادس والأربعين. ويبدو أن خوان غوايدو زعيم المعارضة الفنزويلية جاهز تماماً للعب دور الجنرال الإيراني فضل الله زاهدي.

لكن ظروف إيران عام 1953 تختلف عن واقع فنزويلا في 2019، كما أن مصدق الذي أسس وقاد حزب الجبهة الوطنية لم يعمد إلى ترسيخ الحزب وتمكينه على العكس من مادورو الذي يقود الحزب الاشتراكي الموحد وهو الحزب اليساري الأكبر في النصف الغربي من الكرة الأرضية، ويضم في عضويته قرابة ستة ملايين عضو.

لذا يبدو احتمال عزل مادورو واعتقاله ومحاكمته وسجنه كما حدث مع مصدق احتمالاً بعيداً، لأن الرجل سيقاوم وسيقاتل.

النموذج الثاني الذي يحضر في أذهان رعاة الفوضى الفنزويلية هو النموذج الليبي، ولا شك أن البعض يفكر في مسار للأحداث ينتهي بالقبض على مادورو بعد اختفائه وقتله قبل محاكمته مثلما حدث مع الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.

لكن هذا السيناريو أيضاً يبدو خيالياً وغير قابل للتحقق في بلد ينقسم أهله سياسياً وعقائدياً بين معسكرين، ويتصارع فيه اليسار واليمين بلا تأثيرات قبلية أو جهوية كالتي ساهمت في "التغيير" في ليبيا ولا تزال تساهم في "الاستقرار" في زمن ما بعد ثورة القذافي الخضراء.

لن تستطيع واشنطن الاعتماد على الأدوات المحلية فقط لإحداث التغيير المنشود أمريكياً في وطن الثورة البوليفارية، وربما توقن بعد حين أن التوجيه عن بعد، أو حتى بضربات عسكرية محدودة لن يؤدي إلى إسقاط مادورو، مثلما لم يؤد قبل ذلك إلى إسقاط صدام حسين.

وقد يفكر أصحاب القرار بالتغيير الانقلابي في هذه الدولة النفطية إلى الجنوح نحو الحسم العسكري الكامل، واستدعاء النموذج العراقي، ما يعني احتلال فنزويلا وإخضاعها لقرار حاكم عسكري أمريكي يلعب دور بول بريمر ويمهد الأرض لتولي دمية أمريكية مقاليد الحكم في بلد ستكون مفاتيحه في أمريكا.

نعود إلى جملة حسني البورزان لنعيد صياغتها، ولنقول "إذا أردنا أن نعرف ما يجري في فنزيلا علينا أن نعرف ما جرى في العراق".