سوداني يجمع الصمغ العربي من شجرة الأكاسيا (أرشيف)
سوداني يجمع الصمغ العربي من شجرة الأكاسيا (أرشيف)
الثلاثاء 26 فبراير 2019 / 22:44

السودان: وحده الصمغ العربي لا يعرف الأزمات

يواجه السودان عدة صراعات مسلحة، وأزمات اقتصادية، واحتجاجات في أنحاء البلاد، لكن أحد منتجاته صمد في وجه كل تلك الاضطرابات رغم أنه لا يحظى بشهرة واسعة، وهو الصمغ العربي الذي يدخل ضمن المكونات الأساسية لصناعة المشروبات الغازية.

يُستخرج الصمغ من أشجار الأكاسيا، ويستخدم مادةً للمحافظة على تماسك القوام، ومستحلب مهم في المشروبات الغازية، إذ يمنع انفصال السكر عن مكونات تلك المنتجات وترسبه في القاع.

كما أنه مهم للغاية في قطاع إنتاج المشروبات على مستوى العالم، ما جعل الولايات المتحدة تستثنيه من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على السودان في 1997، بسبب اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان ودعم الإرهاب.

ويُزرع الصمغ العربي بشكل أساسي في دارفور، وكردفان، والنيل الأزرق، وهي المناطق الأكثر فقراً واضطراباً في السودان، وتشهد تمرداً منذ سنوات، في بلد غارق في مشاكله الاقتصادية الأخرى.

وقال مالك شركة أفريتك هشام صالح يعقوب، التي تصنع 17 ألف طن من الصمغ العربي سنوياً، تصدر إلى فرنسا أين تدخل مراحل إنتاج أخرى: "هناك نقص في البنزين، والديزل، والكهرباء، علاوة على القدرة على تحويل الأموال".

يُستخدم الصمغ أيضاً في مواد الطلاء والأدوية ومستحضرات التجميل. ويُنتجه نوعان من شجرة الأكاسيا، وهي شجرة موطنها الأصلي في منطقة الساحل، وهي شريط ضيق من الأراضي القاحلة يمتد بطول الحدود الجنوبية لمنطقة الصحراء الكبرى.

والسودان أكبر مصدر في العالم، إذ تشكل صادراته من الصمغ العربي ثلثي إجمالي حجم الصادرات العالمية، وفقاً لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الأونكتاد لـ2018. ولدى السودان غابات أكاسيا هي الأكثر كثافة بين مثيلاتها.

ورغم المشاكل، فإن صادرات السودان من الصمغ العربي ارتفعت من 33.1 مليون دولار في 2009، حين أنهت الحكومة احتكاراً حكومياً للنشاط، إلى 114.7 مليون دولار في 2017، وفقاً لإحصاءات البنك المركزي.

مصاعب تجارية
لكن وصول المنتَج إلى الأسواق العالمية لم يكن أبداً سهلاً.

ففي العام الماضي، ظهرت مشكلة جديدة، وهي نقص السيولة النقدية السودانية اللازمة لسداد ثمن الصمغ لجامعيه الذين يعيش معظمهم في مناطق نائية، وفي ظل ظروف معيشية صعبة على أطراف الصحراء.

وعادة ما يكون جامعو الصمغ أسر تتألف الواحدة من نحو 10 أفراد يبدأون شق الأشجار في أواخر سبتمبر (أيلول) من كل عام، بإحداث قطع في جذع الشجرة باستخدام سكين خاص.

وبعد 40 يوماً من شق أشجار الأكاسيا، تنضح الشجرة بالنسغ الذي يتصلب بعد ذلك، ويتحول إلى حُبيبات.

وتحتاج الشجرة إلى عناية يومية. وإذا لم يُجمع النسغ المتصلب خلال يومين أو 3، تتكون قشرة على الحبيبات وتتوقف الشجرة عن إفراز النسغ، وقد يمتد هذا التوقف طيلة الموسم الذي يستمر حتى مايو (أيار)، أو يونيو(حزيران).

وإذا كان الشق صحيحاً وفي الوقت المناسب، ولا يزيد عمق القطع عن سنتيمترين، فإن أجود الأشجار ستنتج الواحدة منها ما يصل إلى كيلوغرام ونصف الكيلوغرام يومياً. وقد تتسبب الشقوق العميقة في توقف الشجرة عن الإنتاج لأشهر.

وقال يعقوب، إن نقص السيولة النقدية دفعه إلى حد كبير للتوقف عن الشراء هذا الموسم. وقال: "بعض المزارعين يقبلون شيكات، لكن هذا يعني إضافة 15% إلى التكلفة".

لكن صاحب شركة ميغانا للصناعات، أزهري التجاني الشيخ، الذي يصدر 10 آلاف طن من الصمغ سنوياً، يشتري ويقول، إن علاقته بجامعي الصمغ وزبائنه الممتدة 20 عاماً خلقت ثقة تسمح له بالشراء مع تعهده بالسداد النقدي في وقت لاحق.

يُنقل الصمغ بعد إرساء المزادات للتنظيف والتجفيف والتصنيع في الخرطوم، قبل وضعه في حاويات لشحنه إلى أوروبا.

لكن ورغم استثناء الصمغ من العقوبات، فإن المصدرين يضطرون للالتفاف على عقوبات مالية منفصلة فرضتها الولايات المتحدة على البنوك السودانية.

ويُصدر يعقوب إلى "نكسيرا"، وهي شركة أغذية مقرها روان بفرنسا.

ويقول يعقوب، إن "نكسيرا" وبنك الخرطوم الذي يتعامل معه فتحا حسابات باليورو في بنك كيه.بي.سي البلجيكي مع نقل الأموال إلى البنك على نحو حذر، تفادياً لتسوية المعاملات بالدولار وتعريض أنفسهم للتدقيق من جانب الولايات المتحدة.

وليعقوب والشيخ خطط لتوسعة عملياتهما، حتى في ظل الاضطرابات السياسية في السودان.

وقال يعقوب إن "الأرض والدراسات جاهزة".