الأحد 3 مارس 2019 / 21:32

أمّ دبي: لطيفة بنت حمدان آل نهيان

"أكتب ما يسعفني به ازدحام الأوقات بالواجبات، وما تسعفني به الذاكرة من سنوات وذكريات.أكتب سيرة غير مكتملة، لعلها تكون بداية لكتابة جزء من تاريخ دولتنا، نخلده للأجيال القادمة". هذا ما جاء في مقدمة كتاب قصتي، لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي. سرد متنوع، يتوقف مرة عند لحظات إنسانية معبرة، يحبس الأنفاس في مواقف أخرى، بعضها ينشر لأول مرة؛ لهذا فمن الصعب جدا وصف المتعة التي تبدأ بقراءة السيرة، ويستمر الشغف بالقراءة إلى نهاية الكتاب، يرافقه الإعجاب والشكر، لأنه شاركنا قصصه التي أصدرها بمناسبة خمسين عاما قضاها في خدمة الوطن.

توقفتُ كثيرا عند ما ذكره عن والدته، الشيخة لطيفة بنت حمدان آل نهيان-رحمها الله-، ابنة حاكم أبوظبي ما بين 1912-1922، وزوجة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي، ورفيقة دربه. ما كتبه عن والدته سدّ نقصا كبيرا عن تاريخ المرأة في الإمارات قبل الاتحاد، فقليلة جدا تلك الكتب التي تناولت هذا الموضوع.

ما أعجبني في السرد الذي بدأ بالمعنى اللغوي والاصطلاحي لاسم والدته الشيخة لطيفة، حيث تحضر معاني النعومة والرقة والرفق والانشراح؛ ليتحدث عما غمرت به أبناءها من محبة وحنان، وما اكتسبوها من صفات مميزة، إضافة إلى تأثرهم بوالدهم المغفور له –بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، و ما تميزوا به من طبائع شخصية، كل ذلك ساعد أبناءها على تكوين شخصياتهم المميزة. الحنان والرقة اللذان تميزت بهما والدته الشيخة لطيفة، تدفقا على أبنائها وأسرتها الكبيرة في دبي، حيث مدّت يد الخير والعون، لمن طلب منها المساعدة، أو عرفت بحاله مما أكسبها لقب أمّ دبي، لدورها البارز في تلك الفترة.

الحنان والمحبة يثمران حين تكون الأم ذات عقل راجح وشخصية قوية، أبناء قادة مميزين يتركون بصمات خالدة، يبقى الأثر في أبنائها و محيطها ممتدا عابرا للأجيال، بوصفها نموذجا للمرأة الكاملة، من ذلك ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قبل سنوات، عن تأثيرها على تكوين شخصيته، ونشر في جريدة البيان : تشكل أمي –رحمها الله- في حياتي كلها محور شخصيتي، فإليها يعود الفضل في إكسابي كثيرا من القيم والخصال والخصائص والمهارات، بعضها بحكم الوراثة، وبعضها بفضل التربية، وأهم تلك الخصال والقيم التي اكتسبتها منها قوة الشخصية، فقد كانت -رحمها الله- ذات شخصية قوية مؤثرة، وكلمة نافذة فيمن حولها، ولم يكن ذلك يعني التسلط أبدا، فهي في الجانب الآخر رقيقة، رحيمة خاصة مع الفقراء والمساكين".

القوة في شخصية الشيخة لطيفة بنت حمدان-رحمها الله- هي نابعة من الذات، من ثقة بالنفس، وقدرتها على تحقيق ما تصبو إليه، بالعمل وبذل الجهد، فهي كانت قادرة على إطلاق النار، والتحكم بالحصان والجمل، "كأنها ولدت على سرج". إضافة إلى مساعدتها للناس، وعلاج المرضى ووصف الأدوية لهم، نقل ما يهم النساء ويشغلهن للشيخ راشد بن سعيد رحمه الله. كانت مثالاً للقوة في الشخصية، لها جناحان، المحبة والرحمة، والقوة والحزم، يتكاملان معا؛ لهذا اقتدت بها النساء وتعلّمن منها.

إن محبة الشيخ محمد بن راشد لوالدته كبيرة، لا تتسع لها الكلمات، لهذا يستحضر شعر نزار قباني عن بلقيس، حين أهداها غزالاً تركته أمّه؛ ليرسم بكلماته ذكرياته عن والدته وهي "تمشي، وخلفها مجموعة من الغزلان، التي اعتنت بها منذ صغرها ترافقها، وتتابعها أينما كانت..كانت أمي أطول النخلات.كانت إذ تمشي يرافقها غزال، وتتبعها عناية الرحمن". تبقى الشيخة لطيفة بنت حمدان مثالاً ونموذجاً رفيعاً. لا أحد مثل الأم، لا أحد يشبهها. لهذا يبقى سؤال الشيخ محمد بن راشد على عدة صفحات يتكرر، بشكل أو بآخر:
من يشبهك يا أمي؟ من مثل أمي؟
من مثل أمي؟ من مثل لطيفة؟
رحم الله لطيفة بنت حمدان آل نهيان، كانت رائدة في عصرها، ومثالاً يحتذى به.