نائب رئيس الوزراء الإيطالي ووزير الداخلية ماتيو سالفيني (أرشيف)
نائب رئيس الوزراء الإيطالي ووزير الداخلية ماتيو سالفيني (أرشيف)
الأربعاء 6 مارس 2019 / 20:36

عملية صوفيا

سيظل مستقبل أوروبا غامضاً بين الهجرة والشعبوية، ولأن النيوليبرالية والديمقراطية والحقوقية، وما بعد الحداثة، وحزمة الممارسات السياسية والمالية التي تتحكم في أسواق العالَم لا تعترف بأخطاءٍ، أقلها، أنها هي نفسها، التي بعثتْ الشعبوية من مرقدها، فلا مناص من الاعتراف بأفول الغرب

انطلقتْ عملية "صوفيا"، بقيادة إيطاليا والاتحاد الأوروبي، في عام 2015، وهي عملية بحرية عسكرية، خاصة بصد المهاجرين القادمين من السواحل الليبية، وهذا هو الهدف الحقيقي من عملية "صوفيا"، وليس إنقاذ المهاجرين من الغرق في عرض البحر، فبين الحين والآخر نسمع، عن حوادث غرق، بأعداد كبيرة، للمهاجرين في البحر المتوسط، وأحياناً يكون من ضمن أسباب الغرق، بعيداً عن وحشية المهربين، المتاجرين بالبشر، وأخطار الزوارق المطاطية، وكثافة الأعداد في الزورق الصغير، تقاعس الوحدات البحرية الأوروبية، عن عمليات الإنقاذ.

في تصريح تلفزيوني، لوزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، في شباط (فبراير) 2019، قالت فيه، إن عملية "صوفيا"، هي وسيلة لنقل حدودنا إلى الأمام. التصريح عسكري بامتياز، ففي الحرب تكون مهمة الدولة الاستراتيجية، هي دفع حدودها إلى الأمام، وكأنَّ هذا الدفع، هو مُحَاوَلَة إيطاليا لاستعادة الاستعمار القديم لليبيا. ففي 1912 رضختْ الدولة العثمانية، الشهيرة تاريخياً باسم "رجل أوروبا المريض"، وبموجب "معاهدة لوزان"، لتصرُّف وامتلاك إيطاليا الكامل، للمُستعْمَرة الليبية.

لكن هذه المرة، التاريخ يعكس اتجاهه، بشكل لا يخلو من السخرية والتهكم، فمُبَادَرَة العدوان، والغزو، تأتي من السواحل الليبية إلى إيطاليا. خطورة عدوان المهاجرين، وغزوهم للسواحل الإيطالية، من وجهة نظر بعض السياسيين الإيطاليين الشعبويين، هو أنه عدوان الجوع والبؤس واليأس، وعدوان، أو غزو من هذا النوع، يُصعب صده.

ما يزيد الأمر تعقيداً، أن القوات البحرية الأوروبية، تتعاون مع حكومة الوفاق الليبية، بقيادة فائز السراج، الموالي للإخوان، لتفكيك شبكات المهربين على السواحل الليبية، وفي نفس الوقت، توجد عناصر من حكومة الوفاق نفسها، منخرطة في عمليات تهريب البشر إلى السواحل الإيطالية، أو على علاقة بمافيا المهربين.

صرَّح نائب رئيس الوزراء، ووزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني، اليميني المتطرف، بشكل مُتضارب مع تصريحات وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، أن عملية "صوفيا"، ستُغلق رسمياً في 31 آذار (مارس) 2019. ويبدو أن رائحة الفشل بدأتْ، عندما علَّقتْ ألمانيا مشاركتها في عملية "صوفيا"، أولاً لأسباب اقتصادية، منها أن تكلفة المُراقَبَة البحرية عبر السفن والغواصات وطائرات بدون طيَّار، باهظة بشكل فادح، قياساً بقوارب الهجرة البدائية.

ثانياً، لا تتقبل ألمانيا اتهامات إيطاليا، لدول الاتحاد الأوروبي، بأن هذه الدول لا تريد اقتسام أعداد المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في رحلات الموت، وبما أن السواحل الإيطالية هي الأقرب للمهاجرين، فإن إيطاليا هي التي تتحمل العبء الاقتصادي الأكبر في رعاية المهاجرين، وإعادة تأهيلهم. وعلقتْ بروكسل ببرود على الإعلان عن موعد انتهاء عملية "صوفيا"، بأن الاتحاد الأوروبي بات مستعداً لهذا الاحتمال إذا رأت إيطاليا ذلك.

قالت السلطات الإيطالية، إنها تخطط لغلق نهائي لموانئها أمام الهجرة، فعملية "صوفيا"، عجزتْ عن احتواء تدفقات الهجرة في البحر المتوسط، والدول الأوروبية لم تبد التضامن، والتعاون الحقيقي مع إيطاليا، لحل إشكالية المهاجرين.

الامتعاض الإيطالي يُوَاجَه بانتقادات، من المنظمات الحقوقية والإنسانية، مفادها أن من حق المهاجرين استقبالهم، في أقرب موانئ ممكنة. تتهم المنظمات الحقوقية والإنسانية السلطة الإيطالية، بفوبيا الخوف من المهاجرين، فالشعبوية أصبحتْ حاضرة في أي خطاب سياسي، والانتخابات الأوروبية في أيار (مايو) 2019، على الأبواب، ويُتوقع أن تخيم عليها الأطروحات الشعبوية المتطرفة، المعادية للمهاجرين.

يُوَاجَه أيضاً اليميني، الإيطالي الصاعد، نائب رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، ماتيو سالفيني، بصلات سرية كانت في 2018، بين حملته الانتخابية، وبين والكرملين، وفي يونيو (حزيران) الماضي، اتهم الملياردير، العابر للقارات سياسياً، جورج سوروس، حزب "الرابطة" الانتخابي، بزعامة سالفيني، أنه كان يتلقى الأموالاً من الكرملين. ويُقال عن ماتيو سالفيني من معارضيه، داخل إيطاليا، حتى لو لم يتلق سالفيني أموالاً من الكرملين، فإن رؤيته مُشابهة لرؤية الكرملين، وهذه الرؤية تنحصر، في السيادة الوطنية، ومُهاجمة الاتحاد الأوروبي.

أثناء عملية "صوفيا"، وقبل إعلان إغلاقها نهائياً في 31 مارس (آذار) 2019، أوقف بالفعل، ماتيو سالفيني 150 راكباً، أغلبهم من إريتريا، ومنع دخولهم إلى الموانئ الإيطالية. تحركتْ ضد سالفيني، قضية جنائية، لرفضه السماح للمهاجرين بالنزول من على متن سفينة خفر السواحل الإيطالية، ورفُعتْ القضية لمجلس الشيوخ الإيطالي، لنزع حصانة سالفيني البرلمانية، لكن التصويت كان لصالح سالفيني.

سيظل مستقبل أوروبا غامضاً بين الهجرة والشعبوية، ولأن النيوليبرالية والديمقراطية والحقوقية، وما بعد الحداثة، وحزمة الممارسات السياسية والمالية التي تتحكم في أسواق العالَم، لا تعترف بأخطاءٍ، أقلها، أنها هي نفسها، التي بعثتْ الشعبوية من مرقدها، ولأن الاتهام الجاهز، الجامد إلى حد التخشب، للشعبوية، لا يحد من ازدهارها، بل ينعشها، فلا مناص من الاعتراف بأفول الغرب.