الرئيسان العراقي برهم صالح والإيراني حسن روحاني في بغداد الإثنين.(رويترز)
الرئيسان العراقي برهم صالح والإيراني حسن روحاني في بغداد الإثنين.(رويترز)
الثلاثاء 12 مارس 2019 / 11:55

العراق.. بين التزاماته لواشنطن وإغراءات إيران

ينمو الدور الإيراني في العراق بشكل مطرد، بدءاً من تمويل توسيع ساحات فسيحة أمام مراقد شيعية في مدينة النجف المقدسة، وصولاً إلى ضمان تعيين مرشح مقرب من طهران وزيراً للداخلية.

العراقيون سيحاولون، في النتيجة، تلبية المطالب الإيرانية، لأنهم يدركون أن لإيران قدرات ضخمة على التخريب

وبدأ الرئيس الإيراني حسن روحاني الإثنين زيارة للعراق، البلاد التي ساهمت طهران في تشكيل سياساته، خلال السنوات الأخيرة. وتقول أليسا روبين، مديرة مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" في باريس، ومراسلة سابقة للصحيفة من بغداد، إن طهران هي الفائز الحقيقي في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في العراق في العام الماضي. فقد برزت أحزاب مرتبطة بقوات الحشد الشعبي، ومعظمها له علاقات مع طهران، كصانعة قرار في بغداد.

يد عليا
وفي محاولة لتفسير فوز إيران باليد العليا في العراق، قال محمود المشهداني، سني رئيس سابق للبرلمان العراقي إن "إيران جسم صغير بعقل كبير، والولايات المتحدة جسد كبير بعقل صغير".

وباختصار مفيد، يقول عدنان الظرفي، نائب شيعي، أقام في الولايات المتحدة: "ليس للأمريكيين إلا وجود عسكري في العراق. وعلى نقيض ذلك، أدخلت إيران نفسها في الحياة السياسية والعسكرية العراقية، وهي تسعى الآن لتوسيع نفوذها اقتصادياً وثقافياً".

وحسب الكاتبة، يشكل ترسيخ طهران هيمنتها في العراق جزءاً من أطماع إيران الإقليمية، وحيث تسعى لتأمين طريق نحو المتوسط يمر عبر دول صديقة، من أجل نقل أسلحة ومؤن إلى حزب الله في لبنان، ومواصلة دعم الجيش السوري وتهديد إسرائيل.

أولوية جديدة
وباعتقاد الكاتبة، بعدما نجحت إيران في تحويل مجموعات شيعية مسلحة إلى قوة سياسية، كما فعلت مع حزب الله في لبنان، تركز  طهران على هدف جديد يكمن في زيادة علاقاتها الاقتصادية مع العراق لتعويض خسائر ناجمة عن عقوبات أمريكية جديدة.

وعند استعراضه لزيارة روحاني، قال السفير الإيراني إلى العراق، عراج ماسجيدي، إن إيران "تعتبر العراق بمثابة وجهة أولى للسلع الإيرانية" وترغب بتجاوز تركيا والصين كأكبر شركاء تجاريين للعراق.

تسهيلات
وقال السفير الإيراني إن 40 معرضاً تجارياً إيرانياً ستنظم في العراق العام المقبل، وروحاني سوف يبحث خططاً لمد سكة حديد من كرمانشاه في إيران نحو مدينة البصرة في العراق. ومن المتوقع أن يتفق العراق وإيران على قواعد جديدة لتأشيرات الزيارة لتسهيل سفر رجال أعمال إيرانيين إلى العراق.

وفي سعيه لتعزيز علاقاته التجارية مع إيران التي تواجه عقوبات أمريكية، يجد العراق نفسه ملزماً بين واشنطن التي لا يزال بحاجة إلى مواردها العسكرية ومعداتها للاستطلاع، وبين طهران التي قدمت دعماً عسكرياً حاسماً عندما احتاجت إليه بغداد.

ويقول جوست هيلترمان، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مجموعة "كرايسيس غروب الدولية": "أصبح لإيران أيضاً نفوذ على عدد من الفصائل ضمن النظام السياسي العراقي، مما يصعب على سياسيين عراقيين رفض المطالب الإيرانية".

تخريب
ويضيف هيلترمان: "يدرك العراقيون أن إيران جارهم، وسيبقون دوماً متجاورين. وهم يدركون أن إيرانيين تسللوا إلى العملية الأمنية ورغم أن الوضع سيكون صعباً، وستعمل الولايات المتحدة على صد الإيرانيين، لكن العراقيين سيحاولون، في النتيجة، تلبية المطالب الإيرانية، لأنهم يدركون أن لإيران قدرات ضخمة على التخريب".

وفي إشارته لقابلية طهران على استخدام سلطتها السياسية والعسكرية لتقويض الحكومة العراقية الهشة، لفت هيلترمان إلى أن غالبية الإيرانيين من الشيعة الفرس، فيما غالبية العراقيين من الشيعة العرب، إضافة إلى أقلية سنية عربية كبيرة، وأكراد وتركمان ومسيحيين.
وتشير كاتبة المقال لسعي حديث لإيران للتقرب من السنة، وهو هدف لم تعمل عليه سابقاً، من أجل كسب دعم في العراق، وتسويق نفسها وسط سكان غير متجانسين.

وفي هذا السياق، ذكر عدد من أعضاء البرلمان العراقي، وبعضهم سنة، بأنهم تلقوا دعوات لحضور مؤتمرات في طهران، واجتماعات مع مسؤولين إيرانيين.

وأرسلت طهران أيصاً كبار مسؤوليها إلى العراق بشكل منتظم. فقد زار العراق، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، ووزير النفط والطاقة، من أجل البحث في علاقات تجارية محتملة.

جيران لا أسياد
لكن شيعة عراقيين خرجوا محتجين في وسط بغداد، في ديسمبر( كانون الأول) الماضي، ضد التدخل الأجنبي. ورفع المحتجون شعار "جيراننا أصدقاؤنا لا أسيادنا. وقرارنا عراقي".

ورغم ذلك، تشير كاتبة المقال لزيارة قام بها الرئيس العراقي، برهم صالح، إلى طهران، وتبعه رئيس البرلمان ووزير الثقافة، من أجل بحث كيفية مواصلة تعاون اقتصادي وثقافي بين البلدين، في ظل عقوبات أمريكية.

ومع ذلك، لا يشعر عدد من السنة العراقيين بارتياح كبير لعلمهم أن إيران تفضل الشيعة. ويشعر بعض الشيعة، ممن يعتبرون أنفسهم عرباً بقدر ما هم شيعة، بأن طهران تعمل على جعل العراق أشبه بإيران، عوضاً عن احترام الفروقات بين البلدين. وفي ذات السياق، قال آية الله فاضل البديري، قيادي ديني في النجف: "تعمل إيران على إبعاد العراق عن عروبته وهويته".