مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية في أحد شوارع السوسة المدمرة (أرشيف)
مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية في أحد شوارع السوسة المدمرة (أرشيف)
الأحد 17 مارس 2019 / 12:20

لا أحد يريد مساعدة الأسد في إعادة إعمار سوريا

رأى الصحافي كريشناديف كالامور أن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة يقف عقبة في طريق إعادة إعمار سوريا، إذ يواجه مأزقاً خطيراً لأن داعميه الرئيسيين روسيا وإيران لا يستطيعان تحمل كلفة إعادة الإعمار، وفي الوقت نفسه يرفض خصومه في الغرب تقديم أي مساعدة قبل الانتقال السياسي للسلطة.

على المجتمع الدولي الاختيار ما بين قبول فوز الأسد في الحرب والبدء في إعادة الإعمار، أو التعايش مع خطر عدم الاستقرار وفجوات الحكم الموجودة في مناطق شاسعة بالشرق الأوسط

ويشير كالامور، في تقرير بمجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية، إلى أن الصراع السوري الذي اندلع منذ 8 أعوام لم يطح بالرئيس السوري بشار الأسد الذي لايزال رئيساً للبلاد، ولكن سوريا باتت دولة مُدمرة و تحتاج إلى 250 مليار دولار لإعادة إعمارها، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، أي قرابة أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا قبل الحرب الأهلية.

العقوبات الاقتصادية على روسيا
وقدمت روسيا دعماً عسكرياً كان ضرورياً لبقاء نظام الأسد منذ تدخلها في الحرب السورية في 2015 للحفاظ على نفوذها الإقليمي الجديد، ولكنها تعاني من قيود اقتصادية هائلة بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بعد غزوها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في 2014، وتدخلها في الانتخابات الأمريكية في 2016، ولذلك بات اقتصادها في حالة سيئة خاصةً بعد انخفاض أسعار النفط، وليس بإمكان موسكو دعم إعادة إعمار سوريا، وهي التي تحاول حض المجتمع الدولي على المساهمة في ذلك.

وترفض الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بشدة المساهمة في إعادة إعمار سوريا في ظل غياب الانتقال السياسي الحقيقي في سوريا، الأمر الذي يترك 18 مليون شخص، ثلثهم تقريباً من اللاجئين، في مواجهة مستقبل غامض، في بلد باتت حالته الآن أسوأ بكثير مما كان عليه حين بدأ الصراع.

ويرى تقرير "ذا أتلانتيك" أن جهود إعادة الإعمار الناجحة ستقود، من الناحية النظرية، إلى عودة ملايين النازحين السوريين إلى ديارهم، ولكن ستظل مشكلة الأمن داخل سوريا، وعلى الأرجح سيؤدي وجود أجزاء من سوريا غير صالحة للعيش، إلى تفاقم أزمة اللاجئين التي اجتاحت أوروبا في السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي سيترك أجيالاً أخرى من السوريين في مخيمات اللاجئين، تحت رحمة البلدان المضيفة في كثير من الأحيان.

مأزق خطير
ويلفت التقرير إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا تضعان الإصلاحات، بما في ذلك الانتقال السياسي، شرطاً مسبقاً قبل الاضطلاع بأي دور في إعادة الإعمار، وتعولان على أن الداعمين الرئيسيين للأسد لا يستطيعان تحمل كلفة إعادة الإعمار، ومن ثم فإن بقاء الأسد في السلطة هو العقبة الرئيسية أمام إعادة إعمار سوريا.

وفي نهاية المطاف سيدرك رجال الأعمال العلويون، والذي يدعمون النظام في الخارج أنه عبء يحول دون إنقاذ البلاد.

ويحاول الغرب منذ سنوات الضغط على روسيا لإجبار الأسد على التنازلات، ولكن يبدو أن موسكو لا تهتم بهذا النوع من النفوذ لفرض الاصلاحات الحقيقية ونقل السلطة بعيداً عن دمشق.

والمفارقة، حسب التقرير، أن التركيز على إعادة الإعمار يُعد تكتيكاً للاعتراف الضمني ببقاء الأسد في السلطة.

ورغم الدعم المستمر من روسيا وإيران، وانسحاب غالبية القوات العسكرية الأمريكية، فإن الأسد يواجه مأزقاً خطيراً، إذ لا يستطيع أنصاره تحمل كلفة إعادة الإعمار، وفي الوقت نفسه يرفض خصومه في الغرب القيام بذلك، وحتى إيران، الداعم الرئيسي الآخر للأسد، تعاني من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها ولا تملك الكثير للمساهمة في إعادة الإعمار.

أوضاع مأساوية
ويلفت تقرير المجلة الأمريكية إلى أن سوريا تحتاج إلى الكثير لإعادة البناء، فقد نزح حوالي 11 مليون شخص وفقدوا منازلهم، وأسفر القتال عن تدمير البنية التحتية للمياه، والصرف الصحي، والكهرباء في المناطق التي كانت خاضعة للمعارضة وداعش، كما دُمرت المدارس، والمستشفيات، فضلاً عن مدن كبرى مثل الرقة، أما في المناطق الريفية فتعطلت قنوات الري عن العمل، وخُربت صوامع الحبوب.

وتضع مثل هذه الأوضاع المأسوية الغرب في مأزق أيضاً،  فهو لا يرغب الغرب في مكافأة الأسد بإعادة بناء سوريا وتعزيز قبضته على السلطة، ولكنه من ناحية أخرى لا يريد تجاهل الأوضاع الإنسانية التي تزداد سوءاً بسبب غياب الأموال الضخمة.

وقد تعهد المانحون الدوليون يوم الخميس الماضي بتقديم مساعدات بـ 7 مليارات دولار (بما في ذلك 397 مليون دولار من الولايات المتحدة) للمدنيين المتضررين من النزاع، ولكن هذا المبلغ أقل بكثير من المبالغ الضرورية التي حددها الاتحاد الأوروبي.

أزمة إعادة الإعمار
وينقل التقرير عن المسؤولين الحكوميين السوريين أنهم يرحبون بالاستثمار فقط من "الدول الصديقة" التي دعمت نظام الأسد في الحرب الأهلية، وبالطبع لا يوجد الكثير من المرشحين.

وفي الوقت نفسه يخشى جيران سوريا العرب من ضخ مليارات الدولارات التي ستقود في نهاية المطاف إلى تعزيز إيران.

أما تركيا فتعمل على إعادة إعمار الأجزاء التي تسيطر عليها في سوريا، ولديها طموحات خارج تلك المناطق أيضاً.

ويسعى نظام الأسد إلى مشاركة الصين، الفاعل الرئيسي في مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء العالم، في إعادة الإعمار، ولكن ذلك يتطلب أن تكون سوريا مستقرة، وهو أمر بعيد المنال حتى الآن، بعد أن تحولت الحرب الأهلية في سوريا إلى صراع مع إسرائيل، وتركيا، وإيران، والأكراد.

ويزيد الانسحاب الأمريكي في تعقيد الأمور، وعلاوة على ذلك تفاقمت الأزمة الاقتصادية في سوريا منذ بداية الصراع وتراجعت المؤشرات البشرية، مثل متوسط عمر الفرد.

ويختتم تقرير "ذا أتلانتيك" بأن الحريات السياسية التي أشعلت الاحتجاجات ضد الأسد لا تزال مفقودة، ولم ينته تهديد داعش حتى مع فقدانه السيطرة على الأراضي التي استولى عليها، ولذلك فإن أزمة إعادة الإعمار ستقود إلى توسيع هذه الثغرات.

وبحسب نيكولاس هيراس، الخبير في شؤون سوريا بمركز الأمن الأمريكي الجديد، على المجتمع الدولي الاختيار بين قبول فوز الأسد في الحرب والبدء في إعادة الإعمار، أو التعايش مع خطر الاضطراب، وفجوات الحكم الموجودة في مناطق شاسعة بالشرق الأوسط.