لقطة من عرض "ليل" لعلي شحرور(أرشيف)
لقطة من عرض "ليل" لعلي شحرور(أرشيف)
الإثنين 25 مارس 2019 / 20:03

علي شحرور... مصارع العشاق

مثل هذا الحب مستمد من المأساة الشيعية، لكنه قبل ذلك وأكثر منه مستمد من الصوفية، فاتصال الحب بالموت هو نوع من الفناء في الحب والانحلال فيه وهو الغيبوبة فيه

علي شحرور الكوريغراف اللبناني اللامع، يلتقط موضوعاته من الفولكلور الديني وبخاصة الفولكلور الشيعي. إنه يعود الى مجالس العزاء ويحول مفرداتها الى حركات راقصة والى غناء شجي، والى عرض غني بحركات ذات مرجع أنثروبولوجي وسياق ملحمي.

في آخر عروضه ونسميها عروضاً لأنها ليست فقط أوبريتات. إنها أيضاً نصوص وأصوات وفصول مسرحية. في آخر عروضه "ليل" يعود علي شحرور الى مصارع العشاق.

هذه المرة ينضم الفولكلور الصوفي الى الفولكور الشيعي، بل تنظم اللهجات السامية في المنطقة فيصدح الغناء بالآرامية التي هي لغة الأناجيل والسريانية والعبرية وبالطبع بالعربية فمرجع العرض هو كتاب «مصارع العشاق الشهير»، والعرض مقتبس عن رؤية للحب مقتبسة من الكتاب الذي يتوازى فيه الحب والموت، بل هو الحب الآيل الى الموت والذي غالباً ما تنتهي أقاصيصه بعبارة حاسمة "فشهق شهقة فمات".

لسنا هنا أمام روميو وجولييت الشهيرة فهذه ملحمة حب قائمة بذاتها. أما مصارع العشاق فهو رؤية للحب الذي لا يتم ولا يكتمل إلا بالموت. الحب هنا والموت متكاملان والموت هو خاتمة الحب ونهايته الأكيدة وطقسه الأخير. مثل هذا الحب مستمد من المأساة الشيعية، لكنه قبل ذلك وأكثر منه مستمد من الصوفية، فاتصال الحب بالموت هو نوع من الفناء في الحب والانحلال فيه وهو الغيبوبة فيه. فالتصوف يقترن بالحب اقترانه بالموت والحب قتل أو نوع من القتل، والحب هو الحلول والفناء.

بادئ ذي بدء نسمع المغنية نسمع كلاماً أرامياً عبرياً سريانياً عربياً، أي أننا نقول الحب بلغات المنطقة، نقول الحب ليس فقط بالغناء ولكن أيضاً بالرقص. الراقصان يلعبان لكن اللعبة أيضاً الحب نفسه، إنهما منعكسان على الجدار وهذا الظل يوحدهما ويدمجهما، إنه يفنيهما في بعضهما البعض، لا يفنيهما فحسب، بل يدمجهما ويوحدهما. الرقص هو محاولة هذا الاندماج لكنه ايضاً محاولة للتفاني وينذر بالغياب في الظل. يختفي الظل ويختفي الرقص وتبقى الراقصة منصوبة مكانها.

تلك هي بداية العرض، يبدأ العرض من حيث يكتمل الحب بالقتل من حيث يختتم بالموت، الموت الذي هو شهقة الحب الأخيرة لكن البداية على هذا النحو تكاد تكون عنوان العمل فالموت هو تمام الحب وخاتمته. لقد بدأ العرض من نهايته من الشهقة الأخيرة التي هي مجد الحب ونبله الختامي وسيرورته نحو التفاني والغياب. من هذه الشهقة التي تمثلت في خنجر مغروس في رأس العاشقة. بعد هذا التفاني نعود إلى العرس. نسمع موسيقى العرس وطبلته وضجة أصواته. إننا في عرس لكنه عرس ملتبس بالموت أيضاً. الموسيقى للعرس لكن العشاق تمددوا على الأرض إنهم هكذا ما بين العشق والموت.
 يمكن هكذا أن نتذكر أدونيس الذي ينبعث، ويمكن في نفس الوقت أن نتذكر كربلاء، ويمكن أن نجد في تمدد الأشخاص والموسيقى الصاخبة هذا المزيج من الحب والموت. ثم أننا نجدهم يأخذون العريس إلى مقدمة المسرح ويغطونه بالأزهار. لقد انبعث أدونيس بعد القتل وها هي عشتروت بعد قتله تأتي إلى لحده وتعيده مع الربيع والأزهار الى الحياة. ها هو الطقس الوثني مجتمع مع الطقس الصوفي كما يجتمع مع الطقس الكربلائي، ولكن هذه الطقوس المتوالية تندمج في بعضها بعضاً. هذه الطقوس التموزية لكن أيضاً المسيحية لكن أيضاً الكربلائية تتداخل. لكن الأهم هو الرؤية الصوفية التي لا تقف عند الانبعاث والتي يبدو الموت كمالها وشهادة الحب خاتمتها.

مع ذلك فإن البداية بالآرامية والعبرية ليست عبثاً. إن ما صممه شحرور هو من كل تلك الثقافة منطقها الذي يجمع الموت بالحب بل ويجعل من الموت تاجاً للحياة. الجمع بين الانبعاث والفناء وبين الفناء والرقص وبين القيامة والبعث. إننا أمام طقوس شتى وأساطير شتى ومناحات شتى وخليط من رقص وغناء وموت وحياة.