الرئيس االأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو.(أرشيف)
الرئيس االأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو.(أرشيف)
الجمعة 29 مارس 2019 / 19:44

هدية من الربّ!

لماذا أصلاً يحتاج بومبيو وقومه إلى إستير جديدة تتكفل لهم بحماية بني إسرائيل من الفرس والعرب والجن الأزرق؟

لا أرى ضيراً في الخرافة الدينية التي جعلت مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي يصرّح بأن دونالد ترامب قد يكون "هدية من الربّ لإنقاذ اليهود من إيران".

دعوني أوضح أولاً أن تصريحات بومبيو جاءت على هامش عيد "البوريم" اليهودي، والذي يحتفل خلاله أبناء عمومتنا بذكرى إنقاذ إستير، الزوجة اليهودية للملك الفارسي زركسيس الأول، لشعبها من خطة الوزير الخبيث هامان بقتل جميع اليهود.

بومبيو –وغيره الملايين من المسيحيين الجمهوريين- أحرار في قناعتهم بأن ترامب بعقوباته الاقتصادية القاسية هو إستير العصر الحديث التي ستحرر بني إسرائيل المستضعفين من مخططات هامان ضدهم –أو باراك أوباما، وفقاً للتصور اليميني-.

ولم لا؟ فبإمكاني شخصياً أن أقتنع بأني هدية من الرب لإنقاذ القطط الشوارعية من مكائد السيارات، والأطفال المتنمرين، وأقفاص البلدية. ومن عساه يجادلني حينها في ما صدّقه عملي، ووقر في قلبي؟

ولكن خطورة الخرافات والأساطير الدينية، وضررها على الضمير البشري، يتجلّى حينما نزيح هذه الطبقة الأولية "المسالمة"، والتي تبدو أنها لا تفعل أكثر من تحويل المؤمن بها إلى أحمق.

أعني، لماذا أصلاً يحتاج بومبيو وقومه إلى إستير جديدة تتكفل لهم بحماية بني إسرائيل من الفرس والعرب والجن الأزرق؟ بل لماذا تصهين المسيحيون الغربيون منذ بدايات القرن الـ17 كما أظهرت أعمال الأديب توماس برايتمان، والسياسي هنري فينش، وغيرهما، فتمنيا عودة إعجازية لبني إسرائيل إلى أورشليم، وحمّلا قومهما مسؤولية خاصة بدعم الدولة الصهيونية متى جاءت؟

يندفع هؤلاء المسيحيون اليمينيون بفضل قناعتهم بأن إحياء "إسرائيل الكبرى" النقية من غير اليهود –أو "الغوييم"- هو ما سيأذن بحلول نهاية الزمان وعودة يسوع عليه السلام.

ولكن الخرافة لا تتوقف عند هذا الحد.
بل وفقاً لتصوّرهم، فإن عودة يسوع ستؤدّي بالتالي بجميع اليهود –والذين يحفونهم بالحب حالياً والحنان- إلى واحد من خيارين جميلين: فإما يتنصّرون باكين نادمين على معصيتهم التاريخية ليسوع عليه السلام، أو يفنون جميعاً!

وليس الصهاينة اليهود بغافلين عن هذه الأسطورة الدينية التي جلبت لهم الدعم المنافق والخبيث لليمين المسيحي في بلاد العم سام.
ولكن ربما اختصر مناحيم بيغن موقفه منها حينما تم انتقاده لتقاربه مع القس والمحافظ الأمريكي جيري فالويل، فأجاب معلّقاً، "إذا جاء رجل أو مجموعة، ومدوا أيديهم قائلين ’نحن أصدقاء لإسرائيل‘، فسأقول لهم ’لإسرائيل أعداء شديدو القوة، وهي بحاجة إلى الأصدقاء‘".

المشهد أشبه بأن أجتهد في تسمين خروفي والعناية به، مخفية تطلعي الشره إلى صبيحة عيد الأضحى. ولكن الخروف بدوره ليس "بهيمة" -بالمعنى المجازي للكلمة- في هذه القصة؛ فهو يسايرني من أجل الأعلاف، حتى إذا حانت لحظة سنّ السكاكين، يبادل غدري غدراً.

وفي النهاية، لن تُساق إلى الذبح سوى الضمائر البشرية التي قد تبدو كالحملان الوديعة، إلا أن خرافاتها الشيطانية زودتها بأنياب دموية حادة. فهل من معتبر؟