رئيس الوزراء الفلسطيني محمد شتية.(أرشيف)
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد شتية.(أرشيف)
الخميس 4 أبريل 2019 / 20:53

حقائب الفصائل وحقيبة الناس

الحقيقة التي يتجاهلها رئيس الوزراء المكلف هي ما الذي يريده الناس، وزارة وطنية تتمتع بالكفاءة وليس المحاصصة، الناس لا يبحثون عن وزارة "فصائل" بقدر حاجتهم إلى وزارة تلتفت إلى حاجاتهم وهمومهم


تشكيلة حكومة محمد شتية تضم إلى جانب "حركة فتح" خمسة فصائل فلسطينية هي: جبهة التحرير العربية، جبهة النضال الشعبي، جبهة التحرير الفلسطينية، اتحاد فدا، حزب الشعب (الشيوعي سابقاً)، هذا تقريباً ما تمكن شتية من الحصول عليه وجمعه بعد سلسلة طويلة من الحوارات واللقاءات مع الفصائل الممثلة لمنظمة التحرير والقوى والفعاليات الوطنية.

الرجل كان معنياً بإظهار رغبته في فتح قنوات الحوار مع الجميع بما فيها مؤسسات المجتمع المدني وصولاً إلى جمعية إسكان جامعة "بيرزيت"، الحي الذي يقطن فيه، وهو، للحقيقة، حصاد فقير سيكون عبئاً على حكومته ولن يمنحها أية صفة وحدوية أو تمثيلية كما كان يأمل.

عبء مزدوج يبدأ من نقطة أن انعكاس هذه الفصائل الخمسة على الأرض لا يشكل حضوراً يمكن الاتكاء عليه، وأن على "فتح" أن تحمل عبء الوزارة وعبء شراكة الفصائل الخمسة معاً.

الحقيقة التي يتجاهلها رئيس الوزراء المكلف هي ما الذي يريده الناس، وزارة وطنية تتمتع بالكفاءة وليس المحاصصة، الناس لا يبحثون عن وزارة "فصائل" بقدر حاجتهم إلى وزارة تلتفت إلى حاجاتهم وهمومهم، وهي كثيرة.

ببساطة لم يعد ملائماً او مهنياً التعامل مع الشارع بهذه الخفة، والحديث عن "فصائل منظمة التحرير"، أو تحالف "فتح" و"اليسار"، أو تشكيلة وزارية من الفصائل والقوى الفلسطينية الوطنية.

لا أدري مدى دقة توصيف أغلب هذه الفصائل ب "اليسار الفلسطيني"، ومدى التعسف الذي ينشأ عن ادراج أفراد يجلسون خلف لافتة في صفوف "اليسار"، خاصة، وأن بعضهم ممن حصلوا على مواقع "قيادية"، لسبب أو لآخر، ليس من ضمن هذه الأسباب البرنامج أو الطرح الفكري أو القاعدة الاجتماعية، هذا البعض لم يترك أثراً في موقعه القيادي تماماً كما اختفى أثره في القاعدة.

الفصائل الخمسة هنا أقرب إلى أرشيف قادم من الذاكرة وليس الواقع، خمس عينات تشير إلى حقبة انتهت، ولن يكون مفيداً تحديثها افتراضياً، لقد استنفذت تماماً، وهي الآن حمولة زائدة لا تنفع أحداً.

هذا لن يقنع الناس الذين يعرفون جيداً أن الأمر أقرب الى ترديد مجاملات غير مقصودة في مجلس عزاء.

هذه الفصائل لا تمثل الشعب، ولا تمتلك أية قواعد شعبية أو برامج، والأمر منذ وقت طويل قائم على تدوير أشخاص بعينهم يجري تحديثهم بين وقت وآخر، أو مشاهدتهم وهم يتجولون في مؤسسات المنظمة من اللجنة التنفيذية الى المجلس الوطني الى المجلس مركزي، وعند الحاجة يمكن فرطهم على شكل "قيادة وطنية".

افتراض أن هذه "العينات" تمثل شرائح واسعة من الشعب، ومنحها مقاعد تمثيلية في مواقع القرار ورسم السياسات، هو اعتداء فج على فكرة الديمقراطية، وعلى رغبات الناس وحاجاتهم وأحلامهم.

هذا لا يعني، على الإطلاق، صوابية قرار أولئك الذين رفضوا المشاركة في وزارة شتية، من اليسار التقليدي، تحت شعار البحث عن "حكومة وحدة وطنية" يعلمون جيداً أنها لن تقوم، وأن البديل هو اتساع الهاوية.

التهرب الطويل من التغيير وبناء سياسات قائمة على قراءة الواقع بتحولاته ومسؤولية الحزب اتجاه قواعده، والنبش في الأدبيات المستهلكة بحثاً عن تبريرات من الماضي لوقائع راهنة هو الذي فاقم "أزمة اليسار" الفلسطيني حتى وصل إلى ما هو عليه الآن.

تدبيج خطاب لكل موقف و"التكيف" الغريب تحت ضغط الرغبة في البقاء، خطاب للحديث مع "الانقلاب" في غزة، وخطاب للحديث مع "التفرد" في المنظمة في الضفة، خطاب للحديث عن الديمقراطية وآخر لتوفير غطاء "يساري" للديكتاتوريات، خطاب لتسليع "المقاومة وتحويلها إلى وسيلة قهر وخطاب للوقوف إلى جانب الشعوب وتطلعاتها، هذا الانفصام المتواصل جعل من "البرنامج" المنشود مجرد خرقة من ارتجالات مفككة تصل حد التناقض في كل شيء، بحيث بدا الأمر أقرب إلى جزر منفصلة لا يمكن الربط بينها.
هل يبدو التوصيف قاسياً، أظن ذلك، ولكنه ضروري.