الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو (أرشيف)
الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو (أرشيف)
الإثنين 8 أبريل 2019 / 20:02

ساراماغو

رواية «العمى» تذكر بالبعيد ب«التحول» أو «المسخ» مثلها مثل رواية كافكا تقوم على تغير عضوي في الكائن الإنساني التحول او المسخ هي رواية إنسان تحول الى صرصار

رغم أن العمى ليس وباءً كما يمر في أوائل رواية ساراماغو «العمى» فإن العمى لا يلبث أن يصيب الجميع، وبدون أن يُقال عنه أنه وباء ينتقل من شخص الى شخص لا يحتاج الى فترة طويلة من المعاناة لكنه يضرب عيون الأشخاص مرة واحدة. هكذا يصاب الجميع به. هذه اللحظة هي مركز الرواية ولا تفعل الرواية منذ ذلك الحين سوى التوسع فيها وتفصيلها وبسط مشهدها. هذه رواية العمى لساراماغو الصادرة عن دار المدى بترجمة محبوكة لمحمد حبيب.

فاز ساراماغو 1998 بجائزة نوبل، وكان، وهو العضو في الحزب الشيوعي البرتغالي، من الشيوعيين القلائل الذين فازوا بالجائزة حتى في الاتحاد السوفياتي. لم يكن ساراماغو شيوعياً متستراً بل جاهر علناً بانتمائه وشيوعيته وهاجم الكيان الاسرائيلي وهو في اسرائيل. الا أن شيوعية ساراماغو لا تتجلى في رواياته العديدة التي بدأ كتابتها بعد الأربعين. روايات ساراماغو هذه ليست نضالية ولا إيجابية فترجع تقريباً الى الرواية الكفكاوية، إنها مثلها سلبية وعدمية وفنتازية. رواية «العمى» تذكر بالبعيد ب«التحول» أو «المسخ» مثلها مثل رواية كافكا تقوم على تغير عضوي في الكائن الإنساني التحول او المسخ هي رواية إنسان تحول الى صرصار، والرواية التي تبدأ من هذه اللحظة لا تخرج منها. إن الكائن الممسوخ الى صرصار يتابع لحظة بلحظة تحوله، ونحن لا ننفك نراقبه وهو ينتقل تفصيلاً وراء تفصيل الى صرصار. بيد أن رواية كافكا تقتصر على واحد، بينما رواية ساراماغو ليست رواية واحد إنها عن مجتمع يتفشى فيه الوباء ويتحول بعد ذلك الى جماعات مصابة تنتقل من مكان الى آخر. يركز ساراماغو على واحدة من هذه الجماعات تتألف في أساسها من طبيب أعمى وزوجته التي بقيت مبصرة واستحالت بذلك الى عين المجموعة فأُسلمت اليها مقاليد الأمور وغدت عين المجموعة أو قائدتها، وبالطبع فإن زوجة الطبيب التي بقيت مبصرة، ظلت بالدرجة نفسها إنسانة، فهي تقود المجموعة بوعي إنساني وبدون الوحشية التي انقلبت اليها الجماعات العمياء. أما الغريب فإن زوجة الطبيب بعد أن جاهدت مع جماعتها ما جاهدت لا تلبث أن تصاب بالعمى الأبيض، في اللحظة التي بدأ فيها الناس يبصرون بعد أن ارتفع عنهم الوباء وانطلقوا في الشوارع يغنون.

لا نستطيع بسهولة أن نفهم رمزية ذلك لكن بقاء زوجة الطبيب على بصرها وتصديها لقيادة المجموعة هو الأمل الذي يبقى. إن توحش العميان والعمى في الرواية يقود الى التوحش. يبدأ الأمر في القتل، فيقتل من لم يسبق لهم أن أذوا واحداً، مع القتل هناك الجنس الذي يتم هذه المرة بطريقة حيوانية، بقدر من الاختلاط والعموم والبدائية، ثم يأتي على طول الرواية موضوع الطعام، فالعميان يجوبون مجموعات من مكان الى آخر بحثاً عنه، يؤكد الطعام يُسرق ويُجلب من القمامة وغيرها. من القمامة ننتقل الى القذارة، فالعميان الذين يتغوطون بعد أن امتلأت المراحيض في العلن، ينتظرون المطر ليغتسلوا ويشربوا بعد أن توسخت ثيابهم وأحذيتهم. يمكننا القول أن العمى الجماعي يقود الى التوحش والغرق في القمامة والى المراحيض والى تعفن الأجساد الميتة. من هنا فإن رواية العمى هي نص القذارة والتلوث والعفن والتفسح والموت. يمكننا أن نرى أن كل ذلك يجاري حياة الحيوان ويماثلها نقول لذلك أن العمى هو نوع من الإرتداد الى الحيوانية والى التوحش ارتداد لا الى البدائية بل إلى معاناة توحش قسري، معاناة إنسانية لهذا الإنقلاب في حياة الناس، معاناة هذا الانحدار والانحطاط، وتصوير الانحطاط في رواية العمى مكتوب بثقل وفظاعة وشناعة بحيث أننا نقرأ بقدر من القرف والتشنج والخوف.