الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد (أرشيف)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد (أرشيف)
الثلاثاء 16 أبريل 2019 / 10:41

هل تندم روسيا على انسحاب أمريكا من سوريا؟

رأت الباحثة كارول سايفتز، كبيرة المستشارين في برنامج الدراسات الأمنية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أنه رغم المكاسب التي أحرزتها روسيا من تدخلها في سوريا لانقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وترسيخ مكانتها وسيطاً قوياً في الشرق الأوسط، إلا أن هذه الإنجازات الكثيرة، أسفرت عن إشكاليات جديدة سيكون من الصعب على موسكو حلها.

الانسحاب الأمريكي الكامل من سوريا يترك الكرملين وحيداً للتعامل مع سيناريوات مروعة يمكن أن تشهدها سوريا إذا تجدد القتال

وتُشير الباحثة، في تقرير تحليلي مطول بموقع "Lawfare"، إلى أن موسكو في بداية الحرب الأهلية السورية أصرت على رفض التدخل الأمريكي والأوروبي لمنع سقوط بشار الأسد، حليفها في الشرق الأوسط، وتدخلت موسكو عسكرياً لمنع انهيار نظام الأسد، وحاولت تصوير نفسها "صانعة السلام" وشرعت في مفاوضات مع تركيا، وإيران من أجل إنهاء الحرب الأهلية الدامية.

مكاسب روسيا
والآن يسيطر نظام الأسد على معظم أنحاء البلاد، بفضل الدعم العسكري الروسي، إلى جانب دعم إيران وحزب الله، وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، هزيمة داعش، وانسحاب القوات الأمريكية من سوريا.

وأشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقرار ترامب. ولكن، حسب الباحثة، لهذا القرار انعكاسات واضحة على حسابات روسيا، إذ يتعين على موسكو التعامل بجدية أكبر مع التوترات والمصالح المتضاربة بين شركائها.

وتوضح الباحثة أن التدخل العسكري الروسي نجح في تحقيق إنجازات عدة تجاوزت طموحات بوتين العريضة، ضمنت حكم الأسد ونجاته من الانهيار.

ومنحت الحملة العسكرية التي استمرت أربعة أعوام الفرصة لروسيا لإثبات قدراتها العسكرية الجديدة ودعمها الثابت لحلفائها. وبات بإمكان روسيا الادعاء أنها هزمت ما أطلقت عليه "القوى الإرهابية".

وعلاوة على ذلك وسعت روسيا نفوذها على الساحة العالمية، ومن خلال مفاوضات أستانا مع تركيا وإيران أصبحت وسيطاً إقليمياً قوياً.

قضايا حاسمة
ولذلك يرى العديد من المراقبين أن الانسحاب الأمريكي من سوريا فوز كبير بالنسبة لروسيا، كما أنه يصب في مصلحة إيران في الوقت نفسه.

ولكن رغم أن الانسحاب الأمريكي يخدم أهداف السياسة الخارجية الروسية على ما يبدو، إلا أن موسكو تواجه بعض التحديات والإشكاليات التي كانت من القضايا الثانوية في ظل وجود القوات الأمريكية في سوريا.

والآن يتعين على روسيا مواجهة العديد من القضايا الحاسمة باعتبارها القوة العالمية الوحيدة التي لاتزال في اللعبة.

فعلى سبيل المثال، من سيسيطر على الأراضي التي ستنسحب منها الولايات المتحدة؟ وهل يمكن ردع أنقرة عن غزوها؟ وهل سيقبل الأكراد بسيطرة نظام الأسد على حكمهم الذاتي؟ وهل ينجح الكرملين في حل معضلة الوجود الإيراني طويل الأمد في سوريا، ومطالب إسرائيل بالانسحاب الإيراني الكامل؟

خلاف على مصير إدلب
وتلفت الباحثة إلى اختلاف روسيا وتركيا على مصير محافظة إدلب، وكذلك القوات الكردية على طول الحدود، حتى مع مشاركتهما في محادثات أستانة.

وتعتبر إدلب آخر معاقل المعارضة المتبقية في سوريا وتضم قرابة 10 آلاف مقاتل من هيئة تحرير الشام، الفرع السوري لتنظيم القاعدة.

وفي سبتمبر(أيلول) الماضي، وافق بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان على منطقة منزوعة السلاح، على أن تُطرد تركيا الإرهابيين من المنطقة، ولكن الوضع في إدلب لايزال غير مستقر. ومع تأكيدات بوتين، في اجتماع سوتشي في فبراير(شباط) الماضي، أنه لا يجب قبول الجماعات الإرهابية في إدلب، فإن شبح الهجوم الشامل على إدلب من نظام الأسد المدعوم بالغطاء الجوي الروسي، يلوح في الآفق.

القوات الكردية
وعلاوة على ذلك، ثمة خلاف أيضاً بين أردوغان وبوتين على مصير القوات الكردية في شرق سوريا، المنطقة التي ستنسحب منها القوات الأمريكية.

وتسعى أنقرة إلى إنشاء منطقة آمنة بعمق 20 ميلاً على طول الحدود، ولن تسمح بوجود الأكراد السوريين فيها. وفي المقابل، رفض الكرملين دعم التوغل التركي لتطهير المنطقة، وأوصى نظام الأسد بفتح قنوات دبلوماسية مع الأكراد.

وأوضحت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، أن السيطرة على المناطق التي سينسحب منها الأمريكيون يجب أن تكون للحكومة السورية.

وتشير الباحثة إلى أن بوتين اختار حل الرؤى المنفصلة لكل من أنقرة ودمشق لسوريا ما بعد الحرب بتفعيل "اتفاق آضنة" الذي وقعته سوريا وتركيا في 1998، بدل المنطقة الآمنة.

ولكن الباحثة تستبعد أن يوافق أردوغان على ذلك، إذ يخشى الأخير بقاء الكردية شبه مستقلة حتى لو أُدمجت وحدات حماية الشعب الكردية في الجيش السوري، فضلاً عن أن مثل هذا الحل يتطلب استعادة التواصل بين أردوغان والأسد، وحتى مع التعاون الاستخباراتي لاتزال تركيا، على الأقل في الوقت الراهن، ملتزمة بطرد الأسد من السلطة، إذ أن بقاء الأسد في منصبه لايزال نقطة خلاف بين موسكو وأنقرة بحسب تصريحات وزير الخارجية التركي في يناير(كانون الثاني) الماضي.

معضلة البقاء الإيراني في سوريا

ومن ناحية أخرى، تسيطر الشكوك على علاقة موسكو وإيران شكوك، وساعدت طهران قوات نظام الأسد في الحرب البرية وقدمت روسيا الغطاء الجوي، وبدا ذلك تقسيماً للعمل، ولكن مع انتهاء الحرب الآن تبدو روسيا عازمة على تسهيل عملية السلام بمشاركة العديد من أصحاب المصلحة، ولكن إيران ملتزمة بتعزيز مكاسبها في سوريا، وتأمين وجودها الدائم في البلاد، وحتى الآن لا تزال ردود فعل اللاعبين الآخرين، وتحديداً تركيا ونظام الأسد، على ذلك غير واضحة.

وتلفت الباحثة إلى أن جهود إيران الرامية لترسيخ حضورها في سوريا تُشكل معضلة صعبة للغاية على روسيا، في إطار علاقتها الجيدة مع إسرائيل التي تعتمد إلى حد كبير على التجارة كما يتحدث أكثر من 20% من السكان الإسرائيليين اللغة الروسية.

مصالح متضاربة
وفي الحرب الأهلية السورية، سمحت روسيا لإسرائيل بمهاجمة أهداف إيرانية وحزب الله في سوريا، واعتراض نقل المعدات والذخيرة الإيرانية إلى حزب الله في لبنان.

وتفاوضت روسيا لإبعاد القوات الإيرانية مسافة 85 كيلومتراً من الحدود الإسرائيلية. وعندما أسقطت القوات السورية طائرة روسية بطريق الخطأ بعد هجوم إسرائيلي في سبتمبر (أيلول) الماضي، ألقت موسكو باللوم على إسرائيل التي أسفت للحادث. واستغرقت إعادة تحسين العلاقات بين تل أبيب وموسكو ستة أشهر.

وتؤكد إسرائيل أن إيران هي أكبر تهديد للأمن القومي الإقليمي، وأن القوات الإسرائيلية ستواصل مهاجمة القوات الإيرانية وحزب الله في سوريا.

وفي المقابل تُبرهن إيران على أنها تعتزم البقاء طويلاً في سوريا. وترى الباحثة أن موسكو باتت في قلب التنافس الإسرائيلي الإيراني، في سياق مصالحها المتضاربة وسعيها للتوصل إلى حل للحرب الأهلية من شأنه إرضاء البلدين. ولا يزال الأمر غامضاً حول قدرة موسكو على تقديم ضمانات أمنية لإسرائيل في الوقت نفسه الذي تواصل فيه التعاون مع إيران.

سيناريوهات مروعة
وتخلص الباحثة إلى أن الخلافات بين روسيا وشركائها في مفاوضات أستانة، تركيا وإيران، قائمة وواضحة قبل الانسحاب الأمريكي المعلن.

ومع أن هذه الخلافات الثنائية مع كل طرف على حدة تحقق مكاسب للكرملين، بدايةً من المساعدة في تمكين نظام الأسد، وتوتير العلاقة بين تركيا، وحلف الناتو وحتى المساعدة التكنولوجية الإسرائيلية، فإن موسكو تواجه في ظل غياب القوات الأمريكية تحديات أكبر لتهدئة النزاعات بين حلفائها لتحقيق هدفها النهائي المتمثل في تحول موسكو إلى اللاعب الإقليمي الأكثر نفوذاً في المنطقة.

وتختتم الباحثة بأن الانسحاب الأمريكي الكامل من سوريا، يترك الكرملين وحيداً للتعامل مع سيناريوات مروعة يمكن أن تشهدها سوريا إذا تجدد القتال بين تركيا والأكراد، أو إذا تصاعد الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل، وغيرها من الصراعات الجديدة التي يمكن أن تنشأ بسبب المصالح المتضاربة.

ويدرك المسؤولون الروس هذا الأمر جيداً ولذلك ربما يشعر بوتين بارتياح الآن بعد تراجع الولايات المتحدة عن الانسحاب العسكري الكامل من سوريا.