الخميس 18 أبريل 2019 / 13:12

مواطنون لـ24: "حق الليلة" تراث إماراتي تتناقله الأجيال بنكهة معاصرة

24- أبوظبي- آلاء عبد الغني

"عطونا الله يعطيكم . . بيت مكة يوديكم.. أعطونا من مال الله، سلم لكم عبد الله"، أهزوجة ترددها ألسنة الأطفال وتصدح في الأحياء السكنية "الفرجان" في الإمارات ليلة النصف من شعبان من كل عام احتفالاً بمناسبة شعبية متوارثة، تشعل حنين الكبار إلى ذكريات الماضي، وترسم فرحة الصغار الذين يطوفون بين الأزقة ويطرقون أبواب المنازل حاملين أكياساً خاصة مصنوعة من القماش يطلق عليها "خرايط"، ليجمعوا فيها الحلوى والمكسرات.

ومن الأهازيج والأغاني الشعبية الخاصة بهذه الليلة، التي يرددها الأطفال "عطونا من حق هالليلة وإلا بنذبح العجيله"، و"سلم ولدهم يالله، خله لامه يالله" و"عادت عليكم صيام، كل سنة وكل عام"، فترد النسوة عليهم بعد أن يقدمن لهم الحلوى والمكسرات أو المال "كل سنة وكل حول الله يعودكم على هالأيام الطيبة".

فرحة للجميع
ولا يقتصر الاحتفال بهذه الليلة على الأطفال الصغار أو الأسر الإماراتية فحسب، بل تشارك معظم المؤسسات الحكومية والخاصة والشركات في إحياء هذه المناسبة من خلال تنظيم العديد من الفعاليات، وتوزيع المنتجات الخاصة من الحلويات والمكسرات وغيرها في صناديق وأكياس ملونة تختلف أشكالها وألوانها، ومنها المستمدة كذلك من التراث الإماراتي.

وأكد مواطنون في حديثهم لـ 24، أن "حق الليلة" مناسبة ترسخ العادات المرتبطة بتراث دولة الإمارات الأصيل، كما أنها تمثل إحدى رموز العطاء والألفة التي يحرص المجتمع المحلي على تعزيزها، وتوارثها بين الأجيال.

مودة وعطاء
وقال محمد الشامسي: "حق الليلة" تراث خليجي جميل يعبر عن المودة والعطاء، ويحتفل فيه الكبار والصغار بقرب حلول شهر رمضان المبارك، حيث يرتدي الأطفال الزي الإماراتي وتتزين الفتيات بالثياب التراثية الملونة احتفالاً بهذه المناسبة التي تبعث على السعادة".

وأشار إلى أنه باختلاف الزمن وتطور أساليب الحياة اختلفت أشكال الاحتفال لكنه بقي محافظاً على جوهره بالارتباط بالتراث، فتحولت الأكياس القماشية الصغيرة المصنوعة في البيت "الخرايط" إلى صناديق مزخرفة وملونة تحمل شعارات ورسوماً تراثية، وعبارات تهنئة مختلفة.

تفاصيل الاحتفال
وذكر المواطن سعيد عبد الله، كيف كانت الأمهات بحلول شهر شعبان تبدأن بخياطة "الخرايط"،، وشراء المكسرات، وكان الاحتفال يستمر 3 أيام هي: 13 و14 و15 من شعبان، وتوضع الحلويات في "الجفير"، ويدخلون السعادة على قلوب الأطفال بإعطائهم المكسرات، والبيت الذي يعطي كميات أكثر كان الأطفال يدعون له، وبمجرد أن تمتلئ الخريطة يعودون للمنزل لتفريغ ما حصلوا عليه من هدايا، ثم يعاودون إكمال طريقهم في "الفريج" مرددين الأهازيج حتى وصولهم لـ"الفرجان" القريبة.

ولفت إلى أن الأولاد والبنات كانوا يسيرون في مجموعات، كما كانت الجاليات المختلفة القاطنة على أرض الدولة، تشارك الإماراتيين الاحتفال، موضحاً أن توزيع الأموال لم يكن من الهدايا التي يتلقاها الأطفال خلال جولاتهم، إذ كانت الأسر الثرية هي التي توزع الدراهم مع الحلوى والمكسرات على الأطفال.

التواصل الاجتماعي
ومن جانبها، ذكرت فاطمة علي أنها تحتفل بهذه المناسبة في عملها بتبادل توزيعات حق الليلة، كما تحرص على إعداد توزيعات تتضمن الحلوى والمكسرات وألعاب بسيطة لتوزيعها على الأطفال الذين يطرقون باب منزلها بعد صلاة العصر للحصول على حق الليلة.

وأضافت بأنها تجتمع مع الأهل مساءً في منزل العائلة، ويقدمون التوزيعات والهدايا لأطفال الأسرة، مشيرة إلى أن هناك نوع من المنافسة في مظاهر الاحتفال بدأ يظهر بين الأسر للتسابق في نشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع الآخرين على الاحتفال.

أنواع الحلويات
أما روضة المنصوري، فأشارت إلى أنه قبل عقدين من الزمان لم يكن احتفال حق الليلة يتضمن الحلويات، فالكيس كان يحتوي على الفول السوداني، واللوز الصغير الحجري، والزبيب الأسود، والنخي، ونقل يخلط مع بعضه ويباع بالمن، وكان الأهالي يشترون معها الحلوى العمانية والزلابية، وغزل البنات، كما كانت هناك حلويات صغيرة على شكل أساور وساعة.

وأوضحت أن "حق الليلة" اليوم هو خليط من المكسرات كالملبس، والمقاريع، والسبال، وجوز الهند، والبيذان، ونقل، ونخي، وتين، ورميت، والفول السوداني وملبس بيض الحمام أو بيض الصعو بألوانه الأزرق، والسماوي، والوردي، والأبيض، وبعض الحلويات المعروفة قديماً مثل البهلوان، والشربت، وملاليس وحلاوة ابو الدهن.

تنافس بين الأطفال
ومن جهتها، قالت الوالدة بخيتة المري: "درجت العادة في الإمارات، ومنذ القدم على أن يستعد كل بيت لهذه المناسبة، بشراء المكسرات، والحلويات، وتوزيعها على الأطفال بمقادير معينة، تزيد كميتها كلما هتف الأطفال بحياة أصغر أبناء العائلة بقولهم "الله يخلي ولدهم الله يخليه لأمه ويذكرون اسم الولد الذي يكون حاضراً ليزداد شعوراً بالفخر".

وأضافت: "في السابق كانت الأمهات تستعد لهذه المناسبة بشراء الحلويات والمكسرات، وخياطة الأكياس التي يعلقها الأطفال على رقابهم، وكانت الفتيات يتنافسن بألوان الأكياس وتطريزاتها القريبة من ألوان أثوابهن، أما الأولاد فلا يهمهم لون الكيس، وكانت الأمهات ينتظرن قدوم الأطفال، وبمجرد سماع صوت غنائهم يتأهبن لاستقبالهم.

مبالغة في الاحتفال
ورأت نورة محمد، أن الاحتفال بهذه المناسبة مازال حاضراً، لكن مع تعدد أشكال الرفاهية، أصبح هناك نوع من المبالغة أفقد المناسبة هدفها الاجتماعي، إذ أصبح الاستعداد لـ"حق الليلة" للطفل الواحد يكلف الأسرة مبالغ كبيرة نتيجة تباهي بعضها في شراء الثياب الخاصة بالمناسبة من أرقى المحلات التي تستغل مثل هذه الاحتفالات، أو الشراء من التاجرات عبر التواصل الاجتماعي، وكتابة اسم الطفل أو الطفلة، بألوان ونقوش متعددة فضلاً عن التباهي بمحتويات المخلوط من المكسرات، والحلويات بإضافة أفخر الأنواع ووضعها في توزيعات مختلفة الأشكال والأحجام والألوان تكلف كذلك مبالغ كبيرة.

وأشارت إلى أنها تفضل اختيار أنواع الحلويات بنفسها ووضعها في حقيبة "حق الليلة" أو التوزيعات، للتأكد من جودتها، ولا تعتمد على شراء الأكياس المعبأة بالحلويات الجاهزة في الأسواق خوفاً من خلط الأنواع الجديدة بأخرى منتهية الصلاحية أو قاربت صلاحيتها على الانتهاء.